لطالما ارتبطت جذور حركات التشدد الديني بالمصالح السياسية، فلقد كانت دوما الشبح الذي تستحضره الأنظمة السياسية لترسيخ نمطية حكمهم واحكام سيطرتهم على مقدرات الشعوب. ففي وقت الأزمات الطاحنة تغض تلك الأنظمة الطرف عن تلك الحركات وتسمح بنموها وتوغلها في المجتمع، وأحيانا كثيرة تصنعها لتكون أحد أبرز عناصر تمويه وإلهاء شعوبها عن مرارة واقعها المعاصر عن طريق خلق عدو يشكل خطرا محدقا بالأمة يستدعي تجييش الجيوش لمحاربته.
ولقد ذكر لنا التاريخ القديم والمعاصر العديد من الأمثلة التي تثبت رجاحة هذا الطرح حيث هناك دوما حاجة إلى فزاعة يمكن من خلالها تحقيق مصالح وأهداف خفية، وذلك منذ عهود الفراعنة، والحكام الآلهة وأنصاف الآلهة عند الرومان والإغريقيين، الذين حكموا بسلطة إلهية فلا تجوز معارضتهم أو حتى التذمر من قراراتهم التي يعتبر إخضاعها للنقاش أو التفسير أو التحليل ليس مجرد جريمة وإنما «هرطقة»، التي تساوي في اللاهوت المسيحي البدعة في التراث الإسلامي، تستوجب قتل مقترفها.
المتتبع للأحداث على الساحة العربية والإقليمية والعالمية يجد أن أخبار تنظيم «داعش» تحتل الصدارة في مختلف وسائل الإعلام، بصورة تسيء للإسلام والمسلمين، وديننا ونحن منهم براء، إلا أن الحقيقة أن هذا التنظيم اللقيط والصنيعة المختلقة لا علاقة له بالدين الإسلامي الحنيف، فما هو إلا مجموعة استخباراتية تقدم خدمات استراتيجية ولوجستية على مختلف الأصعدة المحلية للدول التي ظهر فيها وكذلك الصعيدين الإقليمي والدولي في بعض الدول المعنية، فعلى صعيد الدول التي ظهر فيها، نجد أنه يقدم خدمات جليلة لأنظمتها لصرف النظر عما تقوم به تلك الأنظمة من ممارسات ضد شعوبها وإلهائهم عن الظروف المعيشية الطاحنة والأزمات الاقتصادية المتلاحقة فهو شماعة ملائمة لتعليق سوءات سوء الإدارة وعثراتها وانهيار البنى التحتية وتدهور الظروف الاقتصادية.
أما على الصعيد الإقليمي فنجد أنها تقدم خدمات لا تقل عن نظيرتها المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنها لفتت الأنظار عن الأزمة السورية والمأساة التي يعيشها الشعب السوري وحولت بشار الأسد في الخطاب السياسي العالمي من رئيس يقتل شعبه إلى إمكانية أن يكون حليفا استراتيجيا يجب التنسيق معه لمحاربة التنظيم.
أما دوليا فنجد أن «داعش» كانت الجواب الأمثل لحالة الكساد في سوق السلاح العالمي والحل الناجع لتنشيط حركته. وعندما يؤدي هذا التنظيم دوره المرحلي فإنه سيختفي كما اختفت حركات متشددة أخرى كالقاعدة والجهاد والتكفير والهجرة وغيرها وستظهر حركات أخرى النهج نفسه ولكن بأسماء أخرى مثل «لاهش» و«باهش» وفقا لما يريده صناع مثل هذه التنظيمات الإرهابية.
خلاصة الكلام: قال الفليسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه «المتعصبون صور فاتنة للعامة، لأن البشر يفضلون رؤية إيماءات تافهة بدلا من أن يستمعوا إلى صوت العقل».
على جبال الحقيقة لا يمكن أن يبذل المرء جهدا ضائعا... إما أن تصل لنقطة أعلى أو أنك تدرب قواك كي تتسلق نقطة أعلى في اليوم التالي. دمتم بألف خير.
[email protected]