تعيش الشعوب العربية في بلدان ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي حالة إحباط كبيرة بعد أن تبخرت أحلامهم في إقامة دولة العدالة والمساواة.. دولة الحرية والديموقراطية.. دولة العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
فالمتابع للأحداث على صعيد هذه الدول يجد أنها تتعرض - من وجهة نظر الجغرافيا - لهزات ارتدادية في أعقاب الزلزال الكبير الذي عصف بعروش رؤساء وأطاح بديكتاتوريات جاوز عمر بعضها الـ 40 عاما.
ومن وجهة نظر التحليل النفسي نجد أن هذه البلدان تعيش الآن حالة «نكوص» إلى مراحل سابقة لم تشعر فيها بالإشباع.
ومن وجهة نظر علم الاجتماع نجد أنها تعيش حالة حنين ونوستالجيا بالتحسر على الأمس والبكاء على أطلال الماضي وهي حالة سلبية تنقل صاحبها لماض ذهب ولن يعود.
ومن وجهة نظر السياسة تعيش حالة هلع وخوف من المجهول ومن مخاطر المخاض العسير والانتقال الصعب من الديكتاتورية الى الحرية.
ومن وجهة نظر الموروث الشعبي نجد أنها تميل لمن تعرفه وان كان ظالما بدلا من الأقدام على اختيار وتجربة وجه جديد حتى وان كان مؤهلا.
الهزات الارتدادية والنكوص والنوستالجيا والخوف من المجهول طُعم بلعناه وفخ دبره بليل أذناب الأنظمة السابقة واكلو لحوم الشعوب بسيناريوهات محكمة خلقت في نفوس الطبقات العريضة من تلك الشعوب حنينا للديكتاتورية واشتياقا للاستبداد في مقابل خبز وأمان ورحم الله تشي جيفارا الذي قال إذا أمطرت السماء حرية لرفع بعض العبيد المظلات.
في مصر تمكن عدد من رموز نظام مبارك الذين أفسدوا الحياة السياسية على مدار 30 عاما، من الخروج للحريةوها هو أحمد عز يعود للمشهد السياسي مزهوا ومتسربلا في ثياب الفخامة ليعلن عودة الحزب الوطني القديم
بـ 230 نائبا سابقا من أصل 450 عضوا هم قوام مجلس الشعب القادم وعن المال السياسي حدث ولا حرج. وها هي قطع مصر الأثرية في متحف الشارع السياسي عادت لتؤسس تكتلات وتحالفات ظل يعيدون بها إحياء النظام القديم.
وها هي تونس تحن لحزب بن علي وتستدعي أرواح نوابه ومومياوات رموزه أو شخوصه بعد فوز نداء تونس بالانتخابات النيابية.. وها هو علي عبدالله صالح لازال حزبه جاسما على صدر المشهد السياسي اليمني وها هي ليبيا تحت نير الاقتتال تتحسر على أيام القذافي، باختصار لا طبنا ولا غدا الشر وباللهجة المصرية يا ريتك يا أبوزيد ما غزيت.
لا اعرف لماذا قامت ثورات الربيع العربي؟ ولماذا احرق محمد البوعزيزي نفسه؟ولماذا سالت كل هذه الدماء العربية - التي كنا نحسبها اريقت في سبيل الحرية - مادمنا سنستدعي الأنظمة السابقة بكامل شخوصها؟ ولكن ما أفهمه وأعيه جيدا ان فشل الإخوان في الإدارة في مصر وتونس ليس مبررا لاستدعاء الأنظمة الاستبدادية القديمة، فليذهب الإخوان ويأتي ألف فصيل غيرهم ولكن لماذا يكون البديل دائما حنينا الى الذل والاستبداد؟ يا جماعة الخير لنصحح مفاهيمنا، فالحرية هي الحق في أن تختار وتوجد لنفسك بدائل اختيار.
أما الحقيقة التي لا تخطئ العاقل ان الشعوب العربية تعرف جيدا مدى ضعف ذاكرتها السياسية، ومزاجها المتقلب، فهم عادة ما يتبعون نظرية «عاش الملك، مات الملك» فهم مع كل رئيس في السلطة، وكل وزير في الوزارة، لكنهم سرعان ما ينقلبون ضد أي «مخلوع» أو «معزول» أو«مقال».
قال بنجامين فرانكلين من يضحي بحريته في مقابل امنه لا يستحق حرية ولا أمنا.
وقيل أيضا ما فائدة الدنيا الواسعة، إذا كان حذاؤك ضيقا..دمتم بالف خير وأحلام سعيدة.
[email protected]