يتبادر إلى ذهن الإنسان البسيط متوسط المعرفة ومتوسط الثقافة والذي كان قدره انه خلق وعاش في محيط العالم المتخلف، هذا العالم الذي بهر في آلة الاعلام الغربي من خلال ترديده لبعض المفاهيم والالفاظ التي لا يدرك عمق معناها او مغزى دلالتها، فمثلا الديموقراطية وعكسها الدكتاتورية التي ارجو ان تقف قليلا عند هاتين المفردتين ثم تغمض عينيك وتمنح خيالك الذهني فرصة للاجابة الذاتية عن المعنى الحقيقي لمثل هاتين العبارتين اللتين نتداولهما ان لم يكن بشكل ليومي فقد يكون بشكل لحظي تم دونما تصل اليه في ورقة حتى لا تفقد ما توصلت اليه من فهم لمعنى الديموقراطية او الديكتاتورية، لن اشارك الرأي فيما توصلت اليه من حقائق هي نتاج تفكيرك لكنني اجزم بان كل منا له وجهة نظره في قراءته للمتغيرات.
فاسمحوا لي الآن ان يذهب كل منا الى وجهته في مسيرة البحث عن ذاته، ففينا من سيذهب للبحث عن لقمة العيش في اصقاع الارض كافرا بكل مناهج الديموقراطيات، وفينا من لديه الاستعداد ليربط حصى على بطنه لينال حريته وهذه الحرية هي بكل بساطة احد مفاهيم ومكونات الديموقراطية، وفينا من يتخذ من الوسطية اسلوب حياة وهي في اغلب الامور هي الأسلم ولكن من العبث الا نقرأ بعمق ما يحدث في العالم من حولنا، واود ان اسوق هنا بعض المظاهر والنتائج، ففي الصين اكبر دولة من حيث عدد سكانها واقوى دولة من حيث القوة الاقتصادية الآن، فقد حدث ان تجمع اكثر من مليون نسمة في الميدان الاحمر وطالبوا النظام الصيني آنذاك بأن تكون لهم مساحة اكبر في ممارسة الديموقراطية اسوة ببلدان العالم الرأسمالي، هذه الحادثة قريبة جدا بالنسبة لمقاييس الزمن، انظر ما حدث تريثت الحكومة الصينية حتى اظلم الليل فحركت آلتها العسكرية ودكت اجساد المحتجين بجنازير الدبابات وفر من فر من الميدان وقتل الكثير منهم، انظر ماذا قال رئيس الصين في ذلك الوقت قال وبالحرف الواحد ان مسؤولية الحكومة الصينية هي توفير رغيف خبز لكل صيني وليس ممارسة ديموقراطية تخلف مساحة كبيرة بين الفقر والغنى وانتهت المطالبات بالديموقراطية التي تم تأجيل البحث فيها الى ان يأتي وقتها وحلت محلها الديكتاتورية التي جعلت من الصين القوة العظمى في العالم وركعت لها بلاد الديموقراطيات واصبحت وهي التي تمارس الديكتاتورية كمنهج لبناء دولة عظمى، فأيهما ترغب كشخص في حياتك ان تكون ديكتاتورا ناجحا بكل المقاييس او ديموقراطيا فاشلا بكل المقاييس.
سأترك لك الاجابة ونعود لديموقراطية العالم الثالث غالبا لا يعرف من الديموقراطية في هذا العالم الا اسمها رغم وجود بعض الدول تحاول ان توجد نظاما ديموقراطيا حقيقيا يحترم حقوق الانسان وحرية التعبير الا انها تواجه معاول هدم حقيقية كثيرة تحول دون الولوج في هذا المسار، وعلى سبيل المثال لا نتوقع ابدا ان تكون هناك ديموقراطية حقيقية في ظل وجود مثلث العوز (الفقر والجوع والمرض).
فواحد من اضلاع هذا المثلث كفيل بهدم مبدأ الديموقراطية المنشودة، ولعل 90% من افراد الامم النامية يعانون من مثل هذا العوز، فكيف تتصور وجود رأي حقيقي للاختيار وانت جائع او فقير او مريض في حين ان هناك احزاب قليلة ادب سجل لها التاريخ سلوكا سيئا في تزوير ارادة الأمة وتسوقهم الى صناديق الانتخابات وهم فاقدو القدرة على التعبير الحقيقي عن اراداتهم في مقابل مبالغ زهيدة تدفع لهم بعد ختم قفا الناخب المغلوب على امره حتى يمنع عنه خروجه من قاعة تزوير الارادة مبالغ لا تكفي لسد رمقه.
يا سادة من اراد ان يبني ديموقراطية حقيقية فعيه ان يقضي على مثلث العوز (الفقر والجوع والمرض) ومن ثم فكر في خلق كيانات ديموقراطية، واعلم ان الخط طويل لتحقيق ذلك فمثلا في الكويت لن نذهب بعيدا رغم ان ممارسة الديموقراطية كفلها صاحب السمو الامير المفدى - حفظه الله - حينما قال انا حامي ممارسة الديموقراطية، رغم ان الممارسة الديموقراطية الآن لا يتجاوز من يؤيدها اكثر من 400 الف ناخب تقريبا لهم حق الانتخاب، هل تعلم ان اكثر من 500 الف مواطن ممنوعون من السفر لمديونيتهم؟، فكر بتجرد، ماذا يعني ذلك؟ ألسنا جميعا في مثلث العوز؟.