يسعى الإنسان على مدار حياته لتحقيق معاني الحرية والأمن والاستقرار في نفسه وفي واقع حياته، إذ إن الاخطار التي تتهدده كثيرة ومتنوعة.
وأكثر ما يستبيح أمن الإنسان وحريته هو استعباده وسلب إرادته.
الإنسان بأصل وجوده عبد لخالقه سبحانه وتعالى، ومحاولة استعباد الإنسان أخيه الإنسان فيه اعتداء على مقام الخالق سبحانه قبل الاعتداء حرية وكرامة وإنسانية شخص بعينه.
لذلك نستطيع أن نصف الاستعباد والاستبداد بالعدو الأول للمجتمعات الإنسانية المتحضرة اليوم.
الاستعباد بصورته البدائية المتمثلة في الرق والاتجار بالبشر من السهولة كشفه وبيان خطره، وذلك لوضوح معالمه، وقد طوت البشرية صفحة العبودية المباشرة بصورتها البدائية في عام 1906م في مؤتمر عقدته عصبة الأمم في ذلك الوقت.
وكانت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي تجارة الرقيق في عام 1792م تلتها باقي الدول الأوروبية في مؤتمر فينا عام 1814م.
بمعنى أن العبودية مشروعة دوليا لعهد قريب من حياة الشعوب المتحضرة.
ولست هنا بصدد المقارنة التاريخية بين المجتمعات الحديثة ودعوة الإسلام لتحرير العبودية من خلال تجفيف منابعه، فجاءت دعوة الإسلام صيحة قوية في زمن الجهل والظلم والظلمات في القرن السابع الميلادي، لنرى الفرق الزمني الكبير الذي يصل لأكثر من اثني عشر قرنا.
أما الاستعباد المعاصر اليوم فهو الاستعباد غير المباشر الذي يتمثل في سطوة أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والشركات العملاقة متعددة الجنسيات وتلك العابرة للقارات، التي لم تبق للانسان العادي إلا ما يسد رمقه أو لا يكاد، فوصلت معدلات الفقر في العالم إلى أرقام مذهلة، فهناك حوالي (2.5) مليار انسان يقع تحت خط الفقر، وهناك طفل بين ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية، ويكفي أن نعرف أن (200) شخص فقط من أغنى أغنياء العالم تتجاوز ثروتهم دخل (41%) من سكان العالم مجتمعين.
هذا على المستوى المعيشي والجانب الاقتصادي، وأما على مستوى سلب الإرادة واحترام حقوق الإنسان فإن الأنظمة السياسية في دول العالم الثالث لا تمارس نفس المستوى من الديموقراطية في الدول المتقدمة، فديموقراطيتها يمكن أن نصنفها بأنها من النخب الثالث إن لم يكن أكثر.
فتزوير الانتخابات والقفز على إرادة جمهور الناخبين ووصول النسب في التجديد للحكام الى الأربع تسعات أحيانا في مشهد هزلي بامتياز.
أما عن الأحزاب ودورها في العالم العربي والتي من المفترض أنها ركيزة العمل السياسي وهي القناة الطبيعية لتعبير الفرد في المجتمع عن رأيه في قضايا وطنه التي تهمه ويتأثر بها قبل غيره، لكن ما هو موجود بخلاف ذلك كله، فالعمل الحزبي في عالمنا العربي رجس من عمل الشيطان لذا فهو محارب، وان وجد فهو بالحدود الدنيا التي تزين وتزخرف العملية الديموقراطية، حتى باتت أحزابنا مفرغة من مضمونها وعاجزة عن القيام بدورها الوطني الحقيقي.
بناء على ما سبق أستطيع القول انه إذا كانت الكتلة الكبرى من المجتمع تعيش في وطنها تحت مستوى خط الفقر أو حوله، مسلوبة الإرادة ومكممة الأفواه، تدفع الضرائب وتخضع لقوانين لم تشارك في صناعتها ولا تحقق مصالحها أصلا، إذا كان هذا حال الإنسان في عالمنا العربي، فماذا يمكن أن يطلق عليه غير أنه يرزح تحت وطأة عبودية مبطنة معاصرة؟ المخيف والمقلق ليست صورة العبودية المباشرة والبدائية، بل صورة العبودية المعاصرة غير المباشرة التي شعارها الاستبداد ذلك أنه استعباد مبطن يؤدي إلى نفس النتيجة، فكلاهما يسلب الإرادة ويصادر الحرية ويؤدي الفرد فيها دورا وظيفيا محددا لا يستطيع أن يجاوزه.
العبد في العبودية المباشرة القديمة يعرف نفسه جيدا ويعيش ويتصرف على أساسها، وأما المستعبدون اليوم فإنهم لا يعرفون أنهم مستعبدون، وليس من السهولة بمكان اقناعهم بذلك، فهم يعيشون على أساس الحرية وحقيقة الامر أنهم بخلاف ذلك تماما.
فهم يخضعون لأمرين كلاهما أسوأ من الآخر: الأول العبودية الحقيقية، والثاني وهم اسمه الحرية.
[email protected]