تأتي القضية الفلسطينية في أولى اهتمامات الادارات الأميركية المتعاقبة منذ عقود، فهي القضية التي لم ولن يهدأ هديرها، ولم يخبُ نجمها في أي مرحلة من المراحل التي مرت بها الى أن وصلت الى مرحلة السلام العربية ـ الإسرائيلية.
حيث انطلقت عملية السلام عام 1990م في مؤتمر مدريد، ومنذ ذلك التاريخ الى اليوم فشل خيار المفاوضات في ايجاد حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، ليتبين أن كل ما جرى من اتفاقات مرحلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ما هو سوى ترحيل للملفات الجوهرية المتمثلة في القدس وعودة اللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية وغور الأردن.
المراقب لخط سير المفاوضات من مبتدئها الى الآن يلاحظ حقيقة واحدة لا تقبل الشك وهي أن الطرف الصهيوني ينطلق في تعامله مع القضية الفلسطينية على أساس أنه صاحب حق في امتلاك الأرض لأنها أرضه التاريخية في المبتدأ وأرض الميعاد بالمنتهى، وبما أنهم اصحاب حق ـ وليسوا محتلين كما هي نظرة العرب والمسلمين ـ فليس مطلوب منه التنازل عن حقه لصالح الطرف الآخر. وهي نظرة نابعة من منطلق عقدي توراتي يؤمن به الصهاينة في جميع مستويات المسؤولية علاوة على الأحزاب اليمينية وعموم اليهود الذين قدموا من كل انحاء العالم ليستقروا على هذه الارض.
فليس في وجدان وتفكير المفاوض الصهيوني تسليم الأرض أو الانسحاب الجزئي منها لصالح الفلسطينيين، وهذه حقيقة يصدقها الواقع الذي يتحدث بصراحة عن توسيع وتمدد الاستيطان ليشمل جميع الضفة الغربية بالإضافة للاستمرار في مسلسل مصادرة الاراضي وغيرها من الممارسات أحادية الجانب التي تفرض واقعا على الأرض لمصلحة الطرف الصهيوني، فهذا الطرف يتعامل على أساس أنه اللاعب الوحيد والمؤثر وليس له شريك على الارض يريد التفاوض معه.
فإذا اضفنا الى ذلك الانحياز الأميركي والغربي الواضح لصالح الجانب الصهيوني فإننا سنصل الى نتيجة مفادها بأنه من الانتحار السياسي رفع شعار «المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي الوحيد لحل القضية الفلسطينية». اذ كيف سنصل الى حقوق الشعب الفلسطيني والعربي في ظل هكذا معطيات وموازنات مختلة، فمن الطبيعي أن تتعثر المفاوضات بل وأن تصل الى الطريق المسدود. وليس من المقبول الاستمرار في المفاوضات الى مالا نهاية، لتصبح المفاوضات لأجل المفاوضات.
وعندما وصلت المفاوضات الى الموت السريري في الآونة الأخيرة، جاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مؤخرا بخطة ليس فقط لإحياء المفاوضات من جديد بل ولإنهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
خطة كيري التي لا نعرف عنها شيئا سوى بعض التصريحات والتسريبات، فالوزير الأميركي يدعو الطرفين الى اتخاذ قرارات صعبة، لا ندري الى أي حد تصل صعوبتها.
ويقول الطرف الصهيوني ان على الجانب الفلسطيني أن يعترف بيهودية دولته، ليعترف هو بالمقابل بدولة فلسطينية غير معروفة المعالم على أرض الواقع سوى أنها تذكر كثيرا في التصريحات الصحافية، وتسمع في نشرات الأخبار ومن هذا نفهم أنه لا عودة للاجئين، بل يجب أن نفتش عن مكان لفلسطينيي الداخل.
وغور الاردن لا تنازل عنه مطلقا لأنه يشكل النقطة الاستراتيجية للصهاينة في خنق الدولة الفلسطينية المستقبلية إن وجدت، والمستوطنات لا يجوز تفكيكها أبدا فهي أمر واقع يمكن أن تستبدل بأراض أخرى فارغة من السكان ولو كانت في صحراء النقب.
أما عن القدس فهي مسألة حياة أو موت، لا معنى لاسرائيل من غير القدس، ولا معنى للقدس من غير الهيكل المزعوم.
فالمسجد الأقصى بالنسبة لهم ليس مادة للتفاوض، فالاقتحامات المتكررة والاعتداءات المتواصلة على المرابطين فيه، ومنع الدخول إليه الا من النساء وكبار السن هو دليل واضح على نية هدمه وتصفيته كما هو مخطط له.
فماذا تبقى لنا من شيء لنفاوض عليه أصلا؟ ولماذا لا تصارح شعوب المنطقة بمضمون خطة كيري لتكون الشعوب العربية على بينة من أمرها؟ .
فالقدس والمسجد الأقصى لجميع المسلمين في كل اركان الأرض، واللاجئ الفلسطيني في الداخل والشتات الذي يفاوض باسمه من حقه معرفة مضمون ما يسمى خطة كيري، ليعرف هل حقه في العودة مازال محفوظا أم لا؟ .
فمن عرف المفاوضات أن الطرف الأضعف الذي لا يملك أوراق الضغط الكافية على خصمه فإنه يستقوي بالرأي العام لمن يفاوض بالنيابة عنه من خلال المصارحة مع شعوبهم، وهذا مالا يعمل به أطراف التفاوض العربي، ليبقى المفاوض الفلسطيني ضعيفا ويعود بالنهاية الى شعبه ليصارحهم بشيء واحد وهو العجز عن تحصيل الحقوق تحت حجة الواقعية السياسية.
ليأتي كيري الى المنطقة معه شنطته الديبلوماسية معبأة بالمقترحات الكثيرة ليعرضها على الطرف هذا أو ذاك، ثم يلملم أوراقه ويغادرنا دون أن نعرف عنها شيئا، ليتم التفاوض باسمنا ونحن من يتحمل التبعات لكننا مغيبون عن الحقيقة تماما.
rami.ayasreh.yahoo.com