بقينا نسمع بمصطلح «المعركة الانتخابية» كتعبير مجازي عن المنافسة الانتخابية بين المشاركين، حتى شهدناها اليوم حقيقة واقعة في أغرب انتخاب تقترب من الفنتازيا الديموقراطية غير المسبوقة.
هكذا هي انتخابات سورية، تحمل في طياتها الاستهانة بعذابات ودماء السوريين التي استباحها لسنوات خلت.
في كل الأعراف الديموقراطية بالعالم، الترشح للانتخابات يرافقه برنامج انتخابي واضح المعالم يحاول صاحبه من خلاله إقناع جمهور الناخبين بأنه الأقدر على تمثيله وتحقيق أمانيه وتطلعاته. لكن ما يجري في عالمنا العربي مختلف تماما عما يحدث في الدنيا كلها شرقها وغربها.
والسبب في ذلك أن مفاهيم الديمقراطية عندنا مختلفة تماما، لدرجة أننا بتنا نشعر بأن الديمقراطية التي تصدّر إلينا من الغرب تأتي في التصنيف كديموقراطية «نخب ثالث» إن لم تكن أكثر.
ليس في سورية فقط، وكذلك الحال في العراق، حرب تدور رحاها في عدة محافظات، وصناديق انتخاب في محافظات أخرى.
ولا نعرف كيف لعقليّة تؤمن بالعنف وحب السلطة والسيطرة والاستحواذ، آلتها القتل والتخريب والدمار والهيمنة. كيف لعقلية كهذه أن تؤمن بالديمقراطية ومبادئها كحرية التعبير عن الرأي والمعارضة الحقيقية والتداول السلمي على السلطة، والقبول بالنتائج التي تفرزها الصناديق ولو بفوارق ضئيلة؟
أنا أعتقد أن الشعوب العربية قبلت واستوعبت هذه المبادئ أكثر من زعمائها ورؤسائها، بل وتقدمت عليهم بأشواط بعيدة ، وخير دليل على ذلك أن الشعوب العربية بذلت وما زالت تبذل جهدها ودمها للوصول إلى تلك الحالة المأمولة وترسيخها كما في سورية، في المقابل الأسد وعصابته يتمسكون بالظلم والقهر والبطش والرجعية.
هذه الحالة تؤكد النظرية القائلة بأن الدكتاتورية العربية كانت وما زالت تمارس باسم صناديق الانتخاب والديموقراطية، وباسم الحرية تتم مصادرة الحرية، وباسم حقن الدماء يتم القتل واستباحة الدماء.
إن الانتخابات المزورة أبرز أدوات الدكتاتورية المعاصرة، فهي تلعب دور مساحيق التجميل للوجه الكالح. وتبني هيكلا جميلا لديمقراطية فاقدة للمضمون ومنزوعة للدسم.
لتبقى تلك الانتخابات كما هي، ظاهرها فيها الرحمة، وباطنها من قبلها العذاب.
[email protected]