لا يجد المراقب للشأن الفلسطيني صعوبة في إدراك التباين الواضح بين طرفي المصالحة الفلسطينية، فتح وحماس.
ومنطلق التباين ينبع من الاختلاف الأيديولوجي الذي ينطلق منه كل طرف في نظرته للقضية الفلسطينية، ثم يستتبع ذلك الاختلاف في الوسائل والأساليب للوصول إلى الأهداف المنشودة وعلى رأسها تحرير الأرض المحتلة وإقامة الدولة المستقلة على التراب الوطني.
حركة فتح بعد أن بدأت بالعمل العسكري والفدائي منذ انطلاقتها، تحولت بفعل الاستجابة لتغير المواقف العربية والدولية من القضية الفلسطينية إلى العمل السياسي تاركة العمل العسكري إلى غير رجعة، لدرجة نستطيع اليوم القول بأن حركة فتح تنظيميا انتهت لصالح ولادة السلطة الفلسطينية، ودخلت كوادرها في مفاصل تلك السلطة بما في ذلك تماهي الجناح العسكري لفتح في الأجهزة الأمنية.
فتح تخلت عن حمل السلاح كطريق لتحرير الأرض تماما، واكتفت بمشروعها السياسي القائم على المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، ورهنت نفسها به، وركبت قطار المفاوضات إلى أبعد نقطة ممكنة إلى أن أيقنت ـ ومعها الشعب الفلسطيني ـ مؤخرا أن الاحتلال الصهيوني غير معني بإعطاء أي شيء ولو كان قليلا للفلسطينيين، ووصلت المفاوضات فعلا إلى الطريق المسدود. فحركة فتح تحولت من العمل العسكري إلى العمل السياسي فقط.
في حين ان حركة حماس بعد أن انطلقت في أحضان الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) قامت بتقوية وتعزيز عملها وقدراتها العسكرية إلى أن وصلت إلى الكتلة الحرجة التي لم تستطع آلة الاحتلال العسكرية اقتلاعها أو التغلب عليها وشطبها عن خارطة المنطقة.
ثم بنت حماس على ذلك العمل العسكري مشروعها السياسي الذي كان بمنزلة المكمل والداعم والخادم لعملها الأساس وهو العمل العسكري المقاول للاحتلال ووجوده.
واحتفظت حماس بالجمع بين العملين والموازنة بينهما بشكل لافت في أدق الأوقات وأشدها صعوبة والتي تمثلت في ترؤسها لأول حكومة وحدة وطنية عقب فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وهذه تعد احدى ابرز نقاط القوة عند حماس.
المصالحة الفلسطينية اليوم في ظل الظروف التي تعيشها القضية الفلسطينية باتت ضرورة وطنية وحاجة مشتركة لكلا الطرفين، وكل طرف ينظر للمصالحة ويحاول توظيفها بما يحقق مشروعه الذي عكف عليه.
فهي ورقة ضغط سياسي من قبل فتح على الطرف الصهيوني المتعنت، وهي مخرج وحيد لجأت إليه للخروج من زاوية استحالة الانجاز من خلال المفاوضات التي نفض الراعي الأميركي اليد منها لعلمه بأنها غير منتجة وغير مثمرة.
في حين أن حماس توظف هذه المصالحة في تخفيف الضغوط الناجمة عن حصار قطاع غزة الذي قادته وتحملت أعباءه في أوقات صعبة منذ أكثر من ست سنوات، فهي تلقي عن كاهلها حملا سياسيا لطالما أثقلها، لينصب تركيزها الأكبر على مشروعها المقاوم.
لكن يبقى السؤال المطروح: هل سيكتب لهذه المصالحة النجاح أم لا؟ والإجابة عن هذا التساؤل تتطلب عملا جادا وحثيثا ورعاية كاملة من كلا الطرفين وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، وليس مجرد الكلام وإطلاق التصريحات الدافئة.
باعتقادي أن أهم عوامل النجاح للمصالحة يتمثل في وجود حكومة كفاءات ليس لها برنامج سياسي ينحاز إلى مشروع أي من الطرفين، وينحاز إلى المواطن الفلسطيني العادي الذي يبحث عن رفع الحصار عن كاهله في غزة، وعن تخفيف أعباء المعيشة في الضفة الغربية.
لكن بموضوعية لا أتوقع أن تمارس حكومة التوافق الحالية تلك الحيادية الكاملة على ارض الواقع، ولو تشكلت حكومة التوافق من جميع الفصائل الفلسطينية لكانت حكومة أقوى في الأداء، وأثقل على ارض الواقع.
ومن عوامل نجاح المصالحة القيام بإشاعة روح التفاؤل وإرسال الرسائل الايجابية من خلال إطلاق سراح كل معتقلي الرأي وإطلاق الحريات وإعادة الجمعيات والهيئات الخيرية التي تم توقيفها. إضافة إلى إيقاف التعاون الأمني مع الطرف الصهيوني بشكل كامل.
هذه كلها تأتي في إطار العوامل الداخلية الداعمة لنجاح المصالحة، وهذه لا تحتاج إلى كثير وقت للكشف عنها.
وأما العوامل الخارجية لإنجاح المصالحة والتي لا تقل أهمية عن الداخلية - إن لم تكن أهم - فهي غير ايجابية وغير مشجعة على الإطلاق، وتتمثل في الرفض القاطع لها من قبل الاحتلال الصهيوني، وهذا موقف غير مستغرب بالنسبة لنا، ويتبع ذلك الموقف الأميركي والغربي.
لكن الموقف العربي ـ للأسف ـ كان فيه شيء من الضبابية وعدم القوة. بالمحصلة فان مشروع المصالحة الفلسطينية أمامه الكثير من العقبات الكأداء التي يجب أن تتجاوزها لتحقيق أهدافها.
ولا يجوز أن نقلل من شان تلك العقبات وصعوبتها. نتمنى نجاح هذه المصالحة، لكن ليس بالأمنيات وحدها تتحقق الأهداف.
[email protected]