هذا ليس العدوان الصهيوني الأول على غزة الصابرة، ولن يكون الأخير فقد سبقه عدوان عام 2009م في معركة الفرقان وآخر عام 2012م في حجارة السجيل. وفي كل مرة يظن العدو الصهيوني أنه ذاهب إلى نزهة لعدة أيام يتم فيها القضاء على قوة المقاومة الفلسطينية وإسكات صواريخها التي باتت الشوكة في عين دولة العدو، وفي كل مرة يخيب ظنهم ولا يتحقق هدفهم.
العدوان الصهيوني على غزة مرة بعد مرة نابع من العقلية العسكرية الصهيونية التي تؤمن بحتمية الحرب بمعنى أن الأصل بالعلاقة مع الآخر هو الحرب، وما فترة الأمن والتهدئة - إن وجدت - سوى استثناء للتحضير للحرب التي بعدها.
بالمقابل من يظن أن قوة المقاومة في غزة كما هي قبل عامين فهو واهم، بل هي في زيادة وتصاعد واضح وذلك من عدة نواح أولها: الخبرة في القتال الميداني وتسيير المعركة بكفاءة عالية، هذه الخبرة كسبتها من الحروب السابقة التي تعلمت منها الدروس وأخذت منها العبر وسدت من أخطائها الخلل، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية ما تقوم به المقاومة من صناعة محلية وتطوير ذاتي لصواريخها وإيجاد كوادر مدربة وذات كفاءة في هذا المجال وبالإمكانات البسيطة الممكنة والمتوافرة لديها، وهذه حقيقة واقعة لا يستطيع أحد أن ينكرها. علاوة على ما تم استقدامه من أسلحة من خارج القطاع المحاصر من أسلحة نوعية لم تكن موجودة بحوزتها من قبل كالأسلحة المضادة للدروع وللطائرات وغيرها مما يعد مفاجأة المقاومة الفلسطينية للعدو الصهيوني وآلته العسكرية.
الكيان الصهيوني والعالم الغربي الداعم له يجب أن يتقبل حقيقة واقعة اسمها «مقاومة الشعب الفلسطيني» في غزة وذلك للتنازل عن الكبرياء في التعامل مع حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني المرابط، والاعتراف به والتعاطي معه، وعلى رأسه قضية الأسرى وإنهاء الحصار عن غزة بشكل كامل ونهائي، وعدم التعاطي مع القدس بطريقة فرض الأمر الواقع، فالمعركة أولا وأخيرا هي معركة القدس عاصمة فلسطين وقبلة المسلمين الأولى ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم.
بات واضحا من خلال مجريات العدوان أن العدو الصهيوني له القدرة على اختيار بدايته، لكنه بالتأكيد لا يملك شكل وطريقة نهايته. خاصة أنه ليست لديه القدرة على تحمل حرب طويلة الأمد لاعتبارات تتعلق بالطبيعة الذاتية لمجتمعه، وعدم قدرته على المغامرة بأرواح جنوده ومدنييه.
بناء على ما سبق ومع وصول صواريخ المقاومة إلى قلب المدن والبلدات والمغتصبات الصهيونية فان ميزان قوة الردع والتخويف لم يعد في صالح الكيان الصهيوني كما كان في مراحل مضت من الصراع العربي - الصهيوني.
هناك عدة نقاط قوة تصب في صالح المقاومة الفلسطينية الأسطورية ستحقق لها النصر - بإذن الله تعالى - وهي أن الاستراتيجية العسكرية الصهيونية تقوم على نقل الحرب إلى ارض الخصم بحيث تكون وطأة الحرب عليه أثقل وقعا وأكثر خسارة في الأرواح والممتلكات، وهذا ما لم يتحقق في هذا العدوان، فان فلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها باتت ساحة حرب واحدة وذلك بعد أن دكت صواريخ المقاومة تل أبيب والقدس وحيفا ونهاريا وبئر السبع بمسافات غير متوقعة أجبرت ملايين الصهاينة على النزول إلى الملاجئ وما يصاحبها من حالات الهلع والخوف.
ومن نقاط القوة للمقاومة في غزة هو قدرتها على مفاجأة العدو بعمليات نوعية كاستهداف القواعد العسكرية البحرية للكوماندوز البحري.
ومن ابرز نقاط القوة كذلك الضعف الشديد للقدرة الاستخباراتية الصهيونية عن معرفة حجم ومواقع المقاومة مما يجعلها تستقوي على الأهداف المدنية والبيوت الآمنة.
كل هذا ونحن نعيش الأيام الأولى للعدوان الغاشم، ومما لا شك فيه أن في جعبة المقاومة البطلة المزيد ستكشفه الأيام القليلة القادمة، فالنصر صبر ساعة.