شر البلية ما يضحك، ولا أكثر من بلية شهادات مزورة، يعترف موظف وافد في وزارة التعليم العالي أنه عمل على إدخال الكثير منها طوال سبع سنوات، إلى النظام الآلي للوزارة، لتصبح معترفا بها... ونتيجتها أن أصحابها عينوا في جهات عديدة، وأخذوا مراكز مهمة، وبعضهم محامون وقانونيون مطلوب منهم الدفاع عن القانون ومحاربة ما يحيد عن مسطرة عدالته!!
هذا بالفعل ما أزاحت اللثام عنه، معلومات ضبط وزارة التعليم العالي شهادات وهمية مزورة، وصل عددها الأولي إلى أكثر من 500 شهادة، وهناك أضعاف هذا الرقم متوقع كشفه، لا سيما مع اعترافات وفضح خطايا، تتوالى في تحقيقات مكثفة، دخلت على خطها وزارة الداخلية والنيابة العامة.
ووفق ما توصلت إليه متابعة القضية، فإن مسارات هذه الجريمة متعددة، بعضها مزورون خارج الكويت، يمنحون الباحثين عن الشهادة ورقة تكاد تكون متطابقة مع شهادات رسمية ينالها الخريجون الحقيقيون التي تثبت نيلهم الدرجة العلمية من هذه الجامعة أو تلك.. وعلى دربهم، مكاتب تسمي نفسها تربوية علمية، وهي في واقع حالها، متوغلة في التجاوزات والمخالفات، من خلال إصدار شهادات وهمية لمن يبتغيها، مقابل رشاوى.
غير أنه مهما تعدّد المتواطئون في هذا الجرم الخطير، فإن المُدان الفعلي هو وزارة التعليم العالي، التي تساهلت كثيرا في اعتماد هذه الشهادات، والتأكد من صحتها، وما إذا كانت صادرة من جامعات موثوق بها.. والأنكى من ذلك، تراخيها الشديد في سهولة إدخال البيانات إلى نظامها الآلي كخطوة نهائية، عبر موظف سواء كان وافدا أو مواطنا.. والأصل أن تكون هذه العملية، دقيقة وحيوية، وتحظى بمراجعة من أشخاص عدة، وعبر آلية تضمن عدم وصول يد العبث إلى ما يتم إقراره، ويسر كشف من تسول له نفسه بالمخالفة.
وبما أنه حصل ما حصل، فإن الخطيئة الأكبر أن تبقى وزاراتنا على «طمام المرحوم».. فأعمال كإدخال بيانات شهادات، هل تتطلب تسليم أمرها إلى وافدين، وهي لا تحتاج إلى خبرات أو مهارات خاصة؟ بل يمكن أن يقوم بها من لديه دورة سكرتارية وليس شهادة جامعية متخصصة؟.. لماذا لا يتولى هذه الوظائف كويتيون، وهم كثر ينتظرون التعيين لدى ديوان الخدمة المدنية؟.. وهنا، ليس في الأمر عنصرية أو بغض لغير المواطن، لكن الشهادات المضروبة تمثل أمن بلد، ولا يمكن أن يتولى زمامها الغريب..ليس طعنا بذمته، لكن هذه «ألف باء» العمل الحكومي، لاسيما أن العنصر الوطني متوافر بكثرة.
ويبقى السؤال الأهم.. هذه الشهادات الوهمية بطلها وافد في وزارة التعليم العالي، ونتيجتها كارثة بمعنى الكلمة، فلماذا لا نتوقع كوارث أخرى - على سبيل المثل - في إدارة الجنسية والجوازات، وهيئة المعلومات المدنية، وإدارة المرور؟... فهي تعج بموظفين إداريين وافدين، لا يصنعون ذرة، ومهماتهم لا تحتاج عبقرية فذة.. فهي إدخال بيانات فقط؟!
حتما، سنكون واهمين إذا استبعدنا تلاعبا خطيرا في الجنسية، وتزويرا في بطاقات مدنية لمواطنين ومقيمين.. فبالأمس القريب كشفت وزارة الداخلية عشرات ومئات من إجازات قيادة طالتها أياد قفزت على القانون، ولوثت إصدارها رشاوى وعطايا خلف الستار، وتحت الطاولة.. فهل تنتظر وزاراتنا الفأس تقع في الرأس، حتى تتنبه؟.. إذن، تكويت الوظائف الإدارية أولوية عاجلة.. وسهل تنفيذها، إن توافر القرار الحازم... اللهم هل بلغت؟.. اللهم فاشهد.