اثيرت في الآونة الاخيرة في بعض الدول العربية ظاهرة نبش القبور والاستيلاء على ما بها من رفات لاشخاص وافتهم المنية، وهدف ذلك بيعها لطلبة كلية الطب لإجراء بحوث عليها وتشريحها والاعتماد عليها في استذكار دروسهم وذلك نظير مبلغ من المال يأخذه الحانوتي المكلف بعناية تلك المقابر، وسبب تلك الظاهرة واكتشافها ان بعض الأسر حينما تقوم بدفن موتاها تكتشف اختفاء جثة كانت بالمقبرة فتقوم بالإبلاغ عن اختفائها فتقوم الشرطة بمهمتها بجمع الأدلة والتحريات وتتوصل الى مرتكب الواقعة، انه الحانوتي المعين على تلك المقبرة وغيرها من المقابر، فقد قام بفتحها واستولى على ما بها من رفات وبيعها ـ كما سلف ـ لطلبة كلية الطب، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما التكييف القانوني لهذا الفعل؟ هل يعد سرقة ام تكتنفه جريمة أخرى؟ اجابت عن ذلك المادة 110 من قانون الجزاء بنصها «كل من انتهك حرمة مكان معد لدفن الموتى او لحفظ رفاتهم، وكان عالما بدلالة فعله يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة»، لذا فإن الاستيلاء على رفات الميت من قبل الحانوتي بعد نبش المقبرة يعد انتهاكا لحرمة القبور، اما اذا قدمت الجثة او بعض اجزائها من قبل الورثة بعد وصية الميت بإيصائه بجثته لمعهد للبحث والدراسة فإنها تصبح مملوكة للمعهد وتكون السرقة باختلاسها او اخذ أي اجزاء منها دون استئذان قانوني.
لكن ما حكم الأشياء التي توضع في قبور الموتى كالأكفان والحلي والملابس ـ عند بعض الشعوب ـ والأعضاء الصناعية التي كان يستعين بها المتوفى حال حياته؟ هذه الاشياء تكون على ملك الورثة، فهذه الأشياء اعتاد الناس إيداعها القبور مع الموتى فهي مملوكة لهم وقد خصصوها لتبقى مع جثث أهليهم لما وقر في نفوسهم واستقر في ضمائرهم من وجوب إكرامهم في جثثهم على النحو الذي رأوه، موقنين بأنه لا حق لأحد في العبث بشيء مما أودع، لذا فإن هذه الأشياء لا يمكن بحال من الأحوال ان تعد من قبيل المال المباح يسوغ للكل ان يتملكه بمجرد الاستيلاء عليه كالمال المتروك، فالاستيلاء على الاشياء المدفونة بالقبور يكون جريمة سرقة مشددة المأثمة وفق المادة 222 من قانون الجزاء، وذلك لتوافر الظرف المشدد في تلك الجريمة، حيث ان القبور مكان مسور بحائط والاستيلاء على ما به يكون باستعمال وسيلة للدخول لهذا المكان الذي توجد به المقبرة وباستعمال مفاتيح مصطنعة، فضلا عن ان السرقة تكون ليلا لأنه من غير الممكن الدخول للمقبرة والاستيلاء على ما بها من رفات وجثث موتى نهارا وعلى مرأى من المترددين على المقابر.