شعرت بقلق وأنا أتابع الصحف اليومية من ضبط محال لبيع الأغذية في منطقة من المناطق الشهيرة بالمأكولات والمشروبات - وهي «منطقة المباركية» - تغش في الأغذية والتي تباع للمترددين عليها على أنها سليمة في حين أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي حيث تم ضبط 57 كيلوغراما من اللحوم الفاسدة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسبب التغيير في الخواص الطبيعية.. هذا ما قرأته في الصحف منذ أيام وبعدها بتاريخ 21/3/2010 تم ضبط محال في مناطق أخرى كخيطان والشويخ، وسألت نفسي سؤالا: هل تظل الحكومة مسؤولة عن تلك الجرائم؟ وهل تحريرهم محاضر بتلك المخالفات عملا بالمادتين 10 و11 من القانون 62 لسنة 2007 في شأن قمع الغش في المعاملات التجارية صحيح قانونا وكاف لمعالجة هذا الأمر؟!
فالرؤية القانونية في هذا الموضوع ان القانون 62 لسنة 2007 في شأن قمع الغش في المعاملات التجارية تناول موضوع غش الأغذية في المادة 2 منه وافرد له عقوبة، إلا أنني أود الإشارة إلى المقصود من الغش بوجه عام، فالغش هو كل فعل عمدي ايجابي ينصب على سلعة مما يعينه القانون ويكون مخالفا للقواعد المقررة لها في التشريع أو في أصول الصناعة متى كان من شأنه أن ينال من خواصها أو فائدتها أو ثمنها وبشرط عدم علم المتعاقد الآخر به، وقد يقع الغش بإضافة مادة غريبة إلى السلعة أو بانتزاع شيء من عناصرها النافعة، ويتحقق كذلك بالخلط أو بالإضافة بمادة مغايرة لطبيعة البضاعة أو من طبيعتها نفسها، لكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن الخليط لا شائبة فيه، فالغش يغني دائما صدور نشاط عمدي ايجابي من حائز السلعة ينال من خواصها أو فائدتها، ويصدق هنا على فساد البضاعة بحكم مرور الزمن وبيعها على اعتبارها صالحة للاستهلاك الآدمي بشرط عدم علم المشتري، وإذا كان الهدف الأول من نص المادة 2 من القانون هو حماية صحة الإنسان فان ذلك يكون ظرفا مشددا للحبس والغرامة معا كما تناولته المادة 2 منه في فقرتها الأخيرة والتي تنص على أنه: «تكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وغرامة لا تجاوز 20 ألف دينار أو احدى هاتين العقوبتين».
وتوخيا من المشرع لهذه الاعتبارات نفسها، فإن القانون فرض قيودا معينة وهي استعمال أوان أو أوعية في حفظ الأغذية المعدة للبيع، ويقصد بالأوعية جميع الأواني والأجهزة والمواسير وغيرها من الأدوات التي تستعمل في طهي أو تحضير أو حفظ أو نقل أو تناول المواد الغذائية أو المياه ويجب أن تكون تلك الأوعية مستوفاة للاشتراطات التي وضعها القانون وذلك محافظة منه على صحة الجمهور.
جدير بالذكر أن المنوط بهم إثبات تلك المخالفات هم الموظفون المعينون خصيصا لذلك بقرار إداري يصدر من وزير التجارة والصناعة، ويعتبر هؤلاء من مأموري الضبط القضائي ذي الاختصاص الخاص والمختص بضبط تلك الجرائم إلى جانب مأمور الضبط، فالمادتان الـ 10 والـ 11 من القانون 62 لسنة 2007 في شأن قمع الغش في المعاملات التجارية أجازتا لمأموري الضبط القضائي أن يدخلوا لغرض ضبط هذه الجرائم الى الأماكن المطروحة أو المعروضة للبيع أو المودعة فيها المواد الخاضعة لأحكام هذا القانون، ولهم اخذ عينات من تلك المواد، ويعاقب القانون في مادته الـ 12 كل من يحول دون تأدية الموظفين المشار إليهم في المادتين السابقتين أعمال وظائفهم سواء منعهم من دخول المخازن أو حصولهم على عينات، والمادة الـ 11 تبين أنه لمأموري الضبط القضائي إذا وجدوا أسبابا قوية تحملهم على الاعتقاد ان هناك مخالفة لأحكام القانون فانهم يقومون بضبط المواد المشتبه فيها بصفة مؤقتة ونصت المادة على وجوب اخذ ثلاث عينات على الأقل من المواد المضبوطة بقصد تحليلها في المختبر الحكومي وتختم بالشمع الأحمر بعد أن تسلم إحدى هذه العينات لصاحب الشأن ويحرر محضر بالإجراءات ثم تشير المادة الـ 12 الى تجريم ومعاقبة من يحول دون تأدية الموظفين المشار إليهم في المادتين الـ 10 والـ 11 من القانون سواء بمنعهم من دخول المخازن أو المحلات المعدة لبيع الطعام أو بمنعهم من الحصول على العينات لتحليلها، والعقوبة هي الحبس ستة أشهر وغرامة لا تجاوز 500 دينار.
وأشير في النهاية، وهذه كلمة لوزارتي الصحة والبلدية في دولتنا، الى وجود عجز في مختبرات الهيئة المعنية بسلامة وجودة المواد الغذائية لأننا لا نعمل على استخدام التقنيات الحديثة في الكشف عن المواد الغذائية مثل الفحص بالنظائر المشعة وغيرها.
لذلك أناشد الحكومة والمجلس التشريعي بضرورة إنشاء هيئة عامة مستقلة لسلامة الغذاء ومراقبتها أسوة بالبلاد المتقدمة بدلا مما هو معمول به لدينا الآن حتى تكون دولتنا رائدة كما هو متبع في جميع المجالات تحت قيادة أميرها حفظه الله ورعاه.