الأصل في تطبيق القانون الجزائي هو القاعدة المعروفة «بقاعدة الاقليمية» ويقصد بها ان الدولة وحدها تختص بالعقاب على ما يقع من جرائم داخل اقليمها دون تدخل غيرها من الدول، فإن حق العقاب على الافعال الاجرامية التي تقع في اقليم الدولة يعتبر مظهرا لسيادتها على هذا الاقليم.
إذن فالقانون الجزائي الذي تصدره الدولة ينطبق على كل ما يقع على اقليمها من الجرائم أيا كانت جنسية مرتكبها ولا يصح ان يسمح بتطبيق قانون اجنبي ولو بمعرفة محاكم الكويت، أما الجرائم التي تقع خارج الاقليم فليس له وفقا لهذه القاعدة سلطان عليها، وهناك استثناءات (سلبية) ترد على قاعدة الاقليمية، إذ توجد حالات لا ينطبق فيها قانون الكويتي على بعض الاشخاص او لا يخضعون للمحاكمة، ولو وقع منهم ما يعد جريمة في اقليم الكويت.
ولعل سردي لهذه المقدمة هو لما قرأته في احدى الصحف اليومية أن روسية تقدمت بطلب إلى وزارة التعليم العالي لمعادلة شهادتها في الطب العام الصادرة من جامعة طاغستان للعمل في احدى مستشفيات الكويت كطبيب عام وبعد ذلك قامت وزارة الصحة بمخاطبة روسيا لبيان صحة الشهادة من عدمه الا ان الاخيرة أكدت ان الشهادة غير صحيحة ومزورة فتمت احالة المتهمة الروسية للنيابة التي احالتها إلى القضاء الا ان محكمة الجنايات قضت بعدم اختصاصها في نظر تلك القضية، وأسست حكمها على ان ارتكاب الاجنبي لجريمة تزوير خارج اقليم الكويت لا يدخل ضمن اختصاص المحاكم الكويتية، وذلك عملا بالمادة (11) فقرة (2) من قانون الجزاء والتي تنص على «تسري أحكام هذا القانون على كل شخص يرتكب خارج إقليم الكويت فعلا يجعله فاعلا اصليا او شريكا في جريمة وقعت كلها او بعضها في اقليم الكويت» ولو تأملنا هذا الاستثناء لوجدناه تطبيقا لقاعدة الاقليمية مادام السبب في خضوع هذا الشخص للقانون الكويتي هو وقوع الجريمة كلها او بعضها في اقليم الكويت وتوابعه وأن يكون فعل هذا الشخص قد ارتبط بفعل من ارتكبها برابطة المساهمة الجنائية ـ وهذا هو المستفاد من نص المادة 11/2 من قانون الجزاء الكويتي، الا ان المتتبع لهذه الجريمة المرتكبة وهي التزوير في شهادة التخرج (الطب) يجد انه صحيح أنها ارتكبت خارج اقليم الدولة الا ان هناك فعلا لاحقا لهذه الجريمة ومرتبطا بها ارتكب داخل الكويت وهو استعمال المحرر المزور وذلك بتقديمة لجهات الاختصاص لمعادلته وذلك حتى تعمل التهمة كطبيب في احد مستشفيات الكويت أي ان فعل الاستعمال تم في دولتنا عملا بالمادة 260 من قانون الجزاء التي تنص على «كل من استعمل محررا زوره غيره وهو عالم بتزويره يعاقب بالعقوبة التي توقع عليه لو كان هو الذي ارتكب التزوير في هذا المحرر» وهذا يعني انعقاد الاختصاص لمحاكم الكويت بنظر تلك الدعوى تأسيسا على ارتكاب المتهمة فعل الاستعمال في الكويت وتقديمه لجهة الاختصاص حتى تعمل بمستشفياتها ـ فضلا عن ان المتهمة حتى لو لم ترتكب تلك الجناية في دولتنا فقد ارتكبت جريمة اخرى نصت عليها المادة 231/2 «وهي المعاقب عليها بتهمة النصب «لانتحالها صفة غير صحيحة بأن قدمت الاوراق (شهادة الطب) لوزارة الصحة لكي تعادلها في المستشفيات طبيبة بما مفاده انتحالها صفة طبيبة في الاوراق التي تثبت عدم صحتها بعد الاستعلام عنها.
والأمر تكون معه ارتكبت تلك الجريمة داخل إقليم الدولة ومفاده إخضاعها لذلك القانون ومعاقبتها به ـ واعود مرة اخرى لجناية استعمال المحرر فمما لا شك فيه ان المتهمة قامت بتصديق تلك الشهادة (شهادة الطب) من وزارة الخارجية الكويتية كما هو متبع حتى تكون لها الصفة الرسمية داخل الدولة وهذا يعنى تدخل موظف واصباغ ختمه على الشهادة والذي يحمل شعار الدولة، الامر الذي يكون فعل الاستعمال مستقلا عن فعل التزوير اذا اردنا ان نقول ان الجريمة لابد ان تقع داخل اقليم الدولة فهذه الجريمة أي وضع اختام الدولة على الشهادة واستعمالها تم داخل اقليم الدولة بتقديمها لوزارة الخارجية وختمها بخاتم الدولة ثم تقديمها لوزارة الصحة لكي تقوم بتعيينها كطبيبة بالمستشفيات الحكومية وهو ما يعني استقلال جريمة الاستعمال عن التزوير ووقوعه داخل الدولة وهو ما يعني اختصاص المحاكم الكويتية بنظره.