الجريمة هي سلوك إنساني يحدث في المجتمع اضطرابا، هذا الاضطراب قد يكون فعلا او امتناعا يخرق قواعد «الضبط الاجتماعي» وصاحب هذا الفعل او الامتناع هو الإنسان، انه الفرد الذي سلك مسلكا غير اجتماعي وغير أخلاقي، اي انه ارتكب جرما يعاقب عليه القانون، فهو الإنسان الخارج على قواعد الضبط الاجتماعي وسلوكيات الدولة المتواجد فيها وما تتحلى به من عادات وتقاليد راسخة فيها منذ القدم، وهو ما يدفعه الى ارتكاب سلوك إجرامي (فعل او امتناع) تحت طائلة القانون، والجريمة في كل العصور بدأت تتطور وتأخذ أشكالا ومناحي متعددة، وما دعاني الى هذا السرد المبسط، هو ظهور جريمة أصبحت من جرائم هذا العصر ألا وهي جريمة «التشبه بالنساء»، فقد طالعتنا إحدى الصحف القومية الصادرة في بلادنا بأن وزارة الداخلية في حملتها الجديدة داخل الأسواق وأمام المجمعات التجارية استهدفت منها المتشبهين بالجنس الآخر وقد شملت الحملة مختلف شواطئ الكويت، وأسفرت الحملة عن العديد من الشباب من مختلف الجنسيات محليين وأجانب آخرها ضبط 8 وافدين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 يرتدون ملابس نسائية ويقومون بحركات في السير وطريقة التحدث تشبه النساء، الأمر الذي تمت معه إحالتهم إلى الإدارة العامة للمباحث الجنائية تمهيدا لإحالتهم إلى القضاء بتهمة التشبه بالجنس الآخر، والمشرع الكويتي وان كانت نصوصه خلت من أفراد تشريع مستقل لمعاقبة المتشبهين بالجنس الآخر إلا ان المتتبع لقانون الجزاء الكويتي في نصه رقم 198 جزاء والذي سطر به «من أتى إشارة أو فعلا مخلا بالحياء في مكان عام بحيث يراه او يسمعه من كان في مكان عام او تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة..»، والفقرة الأخيرة من نص المادة 198 جزاء «او تشبه بالجنس الآخر» تمثل إضافة الى نصوص الجزاء، وهو يبحث حالتين، الأولى بحثه بجريمة الفعل الفاضح في مكان عام والثانية «او تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور وسياقه تلك الفقرة الأخيرة انه يجب لإدانة المتشبه بالجنس الآخر ان يكون تشبهه بالجنس الآخر في المكان العام.
والذي يعنينا في هذا المقام ما معنى التشبه؟ التشبه هو اتباع سلوك مرفوض يأباه أفراد المجتمع وينأى عنه ويدخل في مدلوله التحدث بطريقة تشبه النساء وارتداء ملابس نسائية، والسير بطريقة تشبه النساء وبخطوات غير مستقيمة وافتعال حركات تمثل حركات نسائية، كل تلك الأفعال تجعلنا أمام متشبه بالجنس الآخر ولعل ما جعلنا نشير الى هذا الموضوع كثرة القضايا المضبوطة وثانيا ما قرأته في إحدى الصحف ان قانون التشبه بالنساء فيه مخالفة للحرية الشخصية من المادة 30 من الدستور الكويتي والتي تنص على ان «الحرية الشخصية مكفولة»، وأقول ان التشبه بالنساء وما يأتيه الشباب من تشبههم بالنساء في سيرهم وملابسهم لا شك انه يخالف الحرية الشخصية، واسس المجتمع الذي تعد فيه الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، فكيف تكون مثل تلك التصرفات والأفعال تشكل تعارضا مع الحرية الشخصية؟ فالحرية لها مفهوم هو ممارسة الأفعال والتصرفات طبقا لتقاليد المجتمع وما درج عليه، لا أن نمارسها بحرية مطلقة تتنافى مع تقاليد مجتمعنا، فلا شك ان التشبه بالنساء ليس بحرية مطلقة بل مقيدة بتقاليد الدولة ومبادئها، بل واجب على الأخير وإحالته للمحاكمة وتطبيق القانون، ثالثا قيل انه يجب على المشرع احترام عقائد الأجانب الزوار بالنسبة لعاداتهم وسلوكهم وعقائدهم لأن عدم احترامه يعد مخالفة لحرية الاعتقاد التي كفلها الدستور، وأقول ان حرية الاعتقاد يجب ان تتم في إطار النظام العام للدولة وتقاليدها، فإذا خالف الأجنبي تقاليد البلد الوافد إليها وأتى سلوكا منحرفا وتشبه بالجنس الآخر حتى لو كان قانون بلده يسمح بذلك فإن تصرفه يكون مستهجنا ويخضع لقانون البلد الوافد إليها عملا بقاعدة الإقليمية المنصوص عليها بالمادة 11 فقرة 1 من قانون الجزاء.
وفي النهاية فان اضافة تلك الفقرة للمادة 198 من قانون الجزاء هي إضافة فريدة من المشرع الكويتي.