مهنة الطب من المهن السامية ويطلق على من يمتهنها لقب ملائكة الرحمة، فالطبيب بحسب التعريف القانوني هو كل من يباشر بنفسه أي عمل طبي او جراحي او نفساني على الإنسان وهو ما عرفته المادة 1 من القانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري، ولهذا يجب على الطبيب قبل إجرائه العملية الجراحية أن يفحص المريض فحصا شاملا قبل إجراء العملية، وذلك حسبما تستدعيه حالة المريض وطبيعة الجراحة المقرر إجراؤها له، واستقر القضاء عند قبول وجود قدر معين من المخاطر ترتبط بطبيعة التدخل الجراحي ذاته تقتضى بعدم مسؤولية الجراح عن أخطائه أثناء الجراحة طالما تمت الجراحة بعناية فائقة خاصة إذا لم تنجح بسبب عدم إحراز الطبيب تقدماً في هذا المجال ومن أمثلتها عمليات القلب والمخ، إلا أن هناك حالات تستوجب مسؤولية الطبيب ويكون فيها الخطأ واضحا وجسيما مثل تركه سهوا أداة من أدوات الجراحة داخل جسم الإنسان، فهنا تقع المسؤولية على الطبيب وفق ما قررته المادة 13/أ من القانون سالف الذكر.
وما دعاني إلى هذه المقدمة ما قرأته في إحدى الصحف اليومية من ان احد الأشخاص أدخل المستشفى لإجراء عملية جراحية (الزائدة الدودية) وبعد خروجه بـ 10 أيام عاودته الآلام في نفس موضوع العملية، فأدخل المستشفى مرة أخرى وأجريت له الفحوصات والإشاعات اللازمة وأظهرت تلك الأشعة وجود جسم معدني غريب في مكان العملية الجراحية التي أجريت له مما استلزم التدخل الجراحي مرة أخرى لاستخراج الجسم المعدني والذي يعتبر أحد أدوات الجراحة ما تسبب للشاكي بآلام شديدة نتيجة إهمال وخطأ الطبيب الذي أجرى العملية له، وعليها توجه الشاكي عقب ذلك لتقديم بلاغ شكوى ضد الطبيب وتم التحقيق فيها إلا انه فوجئ بالإدارة العامة للتحقيقات تحفظ التحقيق لعدم وجود جريمة.
إلا ان الشاكي أعاد التظلم من هذا القرار أمام محكمة الجنح المستأنفة التي ألغت قرار الحفظ وأمرت بإعادة الملف إلى الإدارة العامة لتقديم الطبيب إلى المحكمة الجزائية، تلك هي الواقعة التي ألقت بظلالها والتي تشير إلى مدى الاستهتار بحياة الإنسان ومدى الإهمال الطبي الجسيم للطبيب، والقانون الجزائي لم يقف حيال هذه الواقعة بل عالجها بنصه في المادة 164 من قانون الجزاء «كل من تسبب في جرح أحد أو ألحاق أذى محسوس به من غير قصد، بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة او تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة اللوائح يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة».
وفي القضية التي نبحثها اليوم نجد أن الطبيب اغفل اتخاذ احتياط يوجبه الحذر وتمليه الخبرة الطبية العامة على من كان في مثل ظروفه وفي هذه الحالة يتخذ الخطأ مظهرا سلبيا يتمثل في ترك او امتناع عن اتخاذ الحيطة اللازمة، فضلا عن الرعونة وهي سوء التقدير أو نقص الحذق أو الدراية في أمور فنية. وأنوه ان انتفاء هذا الوجه من الخطأ لا يعنى حتما افلات الطبيب من المسؤولية. فقد لا يخالف الطبيب اي لائحة او قرار ومع ذلك يتوافر في مسلكه الإهمال والرعونة وعدم الاحتياط فيسأل عما يترتب على خطئه من قتل او إصابة كما في حالتنا سالفة الذكر، لذلك فإن القدر اليسير من الخطأ المرتكب من الطبيب يكفي لترتيب مسؤوليته الجنائية، وإذ كنا قد انتهينا إلى المسؤولية الجنائية لهذا الطبيب المهمل في أداء عمله بصورة فاحشة، إلا ان هذا لا يعفيه من المحاكمة التأديبية عملا بالمادة 39 من القانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري ـ هذا عن الطبيب المعالج وخطئه ولكن ما مسؤولية المستشفى الخاص المتعاقد مع هذا الطبيب مجري العملية الجراحية؟ العلاقة بين الطبيب والمريض ما هي إلا نتيجة عقد تم بين المستشفى الخاص والطبيب، فالطبيب يلتزم قبل المستشفى الخاص بأن يعمل لمصلحة المرضى وهم المستفيدون من الاشتراط وعلى ذلك تكون مسؤولية الطبيب مسؤولية تعاقدية ويكون من حق الشاكي مقاضاة المستشفى التي تم إجراء الجراحة فيها بدعوى المسؤولية التعاقدية واستيفاء التعويض المناسب له وذلك لتضامنها مع الطبيب المعالج، وذلك وفقا لقواعد المسؤولية التعاقدية فضلا عن علاقة التبعية بين المستشفى والطبيب عملا بالمادة 240 من القانون المدني، ذلك لان الطبيب تابع للمستشفى وهي مسؤولية عن عمله غير المشروع فالمستشفى يعتبر في حكم الكفيل المتضامن كفالة مصدرها العقد الذي يربطها بالطبيب.