الجريمة سلوك انساني يحدث في المجتمع اضطرابا هذا الاضطراب، قد يكون فعلا او امتناعا يخرق قواعد «الضبط الاجتماعي» وصاحب هذا الفعل او الامتناع هو الانسان، انه الفرد الذي سلك مسلكا لا اجتماعيا ولا أخلاقيا أي انه ارتكب جرما يعاقب عليه القانون، فهو الانسان الخارج على قواعد الضبط الاجتماعي وسلوكيات الدولة المتواجد فيها وما تتحلى به من عادات وتقاليد راسخة فيها منذ القدم وهو ما يدفعه إلى ارتكاب سلوك اجرامي (فعل او امتناع) تحت طائلة القانون ـ والجريمة في كل العصور بدأت تتطور وتأخذ أشكالا ومناحي متعددة.
وما دعاني إلى هذا السرد المبسط ـ هو ظهور جريمة أصبحت من جرائم هذا العصر الا وهي جريمة التشبه بالنساء، فقد طالعتنا احدى الصحف بأن جنسا ثالثا بكامل زينته وهيئته الانثوية دخل محلا لتصليح الهواتف في منطقة السالمية وأثناء قيام العامل بفحص الهاتف سقط منه وتحطم ففزع عليه الجنس الثالث وطالبه بدفع قيمته وعندما رفض العامل ذلك بحجة انتفاء قصده في اتلاف الهاتف رغب الجنس الثالث في الذهاب إلى المخفر وانتبه لهيئته النسائية وخوفا من ضبطه تذكر ان لديه دشداشة شتوية في حقيبة السيارة فقام بارتدائها فوق التنورة، وقام بغسل وجهه وإزالة المكياچ وعدل من طريقه تسريحة شعره ليبدو رجلا، ولدى دخوله المخفر وقبل ان يقدم شكواه أمسك به الضابط بسبب هيئته الغريبة حيث كانت دشداشته غير مرتبة وتبدو «مكسرة» أي لم تكن مكوية وأيضا لكونها شتوية بينما الوقت كان صيفا، اضافة إلى ان المتحول أو «الجنس الثالث» نسي ازالة أقراط الاذن حتى ان رجال الامن لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك خاصة عندما رفع الدشداشة لتبدو أسفلها تنورة نسائية ضيقة ومغرية، فتم إيداعه النظارة وتسجيل قضيه ضده.
تلك هي الواقعة التي استرعت انتباهي وأنا بصدد قراءتها ورأيت معالجتها من الوجهة القانونية وإلقاء الضوء عليها، فالمشرع الكويتي وان كانت نصوصه خلت من افراد تشريع مستقل لمعاقبة المتشبهين بالجنس الآخر إلا ان المتتبع لقانون الجزاء الكويتي يجده ينص في مادته رقم 198 جزاء على ان «من اتى إشارة او فعلا مخلا بالحياء في مكان عام بحيث يراه او يسمعه من كان في مكان عام او تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة..».
والفقرة الاخيرة من نص المادة 198 جزاء (أو تشبه بالجنس الآخر) تمثل اضافة إلى نصوص الجزاء وهي تبحث حالتين، الاولى بجريمة الفعل الفاضح في مكان عام والثانية التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور وسياق تلك الفقرة الاخيرة يؤكد أنه يجب لإدانة المتشبه بالجنس الآخر أن يكون تشبهه بالجنس الآخر في مكان عام أي كل مكان يتردد عليه عامة الناس وبالتالي يستطيعون رؤيته وسماعه وينطبق ذلك على الاندية الرياضية والمتنزهات والاسواق والمحلات والوزارات.
وحكمة المشرع واضحة في هذا النص وهي محاربة ذلك الفعل والحد منه بدليل أن النص حظر التشبه بالجنس الآخر في المكان العام، فالتشبه هو اتباع سلوك مرفوض يأباه أفراد المجتمع وينأى عنه ويدخل في مدلوله التحدث بطريقه تشبه النساء، ارتداء ملابس نسائية، والسير بطريقة تشبه النساء وبخطوات غير مستقيمة وافتعال حركات تمثل حركات نسائية، كل تلك الأفعال تجعلنا امام متشبه بالجنس الآخر ولعل ما جعلني أشير إلى هذا الموضوع كثرة القضايا المضبوطة وثانيا أن قانون التشبه بالنساء فيه مخالفة للحرية الشخصية فالتشبه بالنساء وما يأتيه الشباب من أفعال في سيرهم وملابسهم لا شك انه يخالف الحرية الشخصية تلك الحرية المرتبطة بقيم وتقاليد المجتمع الذي نعيش فيه، المجتمع الذي تعد فيه الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع الامر الذي تكون معه مثل تلك التصرفات والأفعال تشكل تعارضا مع الحرية الشخصية، فالحرية لها مفهوم وهو ممارسة أفعالنا وتصرفاتنا طبقا لتقاليد المجتمع وما درج عليه لا أن نمارسها بحرية مطلقة تتنافى مع تقاليد مجتمعنا فلا شك ان التشبه بالنساء ليس بحرية مطلقة بل مقيدة بتقاليد الدولة ومبادئها ثالثا، كما ان حرية الاعتقاد يجب ان تتم في اطار النظام العام للدولة وتقاليدها، فإذا أتى الشخص وخالف تقاليد البلد المتواجد فيها واتى سلوكا منحرفا وتشبه بالجنس الاخر فان تصرفه يكون مستهجنا ويخضع معه للعقاب.
وفي النهاية أشير الى ان إضافة تلك الفقرة للمادة 198 من قانون الجزاء هي إضافة فريدة من المشرع الكويتي حسنا فعلها وذلك بتجريمه هذا الفعل (التشبه بالجنس الآخر) وإفراده عقابا لها وذلك لسد الباب لمن تسول له نفسه اختراق قيم وتقاليد بلادنا بإتيانه أفعالا مخلة بالحياء لا تنطلي على شعبنا المحترم لذاته ولشريعته الغراء.
ومن هنا وان كنت اشعر بمأساة وشعور هذا الجنس وأساليبه النفسية والسلوكية وظروفه وآلامه، الا انني مع هذا وحفاظا على المجتمع لا استطيع ان اقر افعاله التي تبقى في دائرة الشذوذ المرفوض اجتماعيا وقانونيا والعقاب عليها لأنه لم يكن المقصود المعاقبة او ملاحقة ذات الشخص المتحول تحديدا وانما الهدف هو الحد من هذه الظاهرة ولمصلحة المجتمع العامة، وما على المتشبهين او بعض المتحولين جنسيا الا الستر واحترام شعور الغير والشرع ونظام الدولة.