«مَن أمِن العقوبة أساء الأدب».. هكذا يقال، ومع هذا نجد أن الكثيرين يجاهرون بتخريبهم للمنشآت العامة عبر لصق الإعلانات التي تصعب إزالتها دون تسوية، ويضعون أرقام هواتفهم بكل صفاقة مضمونة بالأسماء والخدمات، وعلى الرغم من ذلك لا تملك (أجهزة البلدية) المكلفة بتطبيق القانون إيقاف أصحابها ومخالفتهم كما يحدث في دولة أخرى تحترم بيئتها وتفرض على مخالفيها جزاءات رادعة على من يلصق تلك الإعلانات العشوائية، ليس ذلك فحسب بل يجبر المخالف على إعادة طلاء ما أفسده من مكان بفعل عمله المادي المخالف، إنه كابوس مزعج يزداد صخبا يوما بعد يوم، وجريمة ترتكب بحق البيئة الكويتية العمرانية ترتكب بدم بارد دون رادع بشكل لا يليق بما نحن مقبلون عليه من رؤيا مستقبلية وخطط للتنمية وهي مأساة تشارك فيها الدولة باركان هذه الجريمة بتهاونها بتطبيق القانون.
ومع أننا نلمس نشاطا ملحوظا للمفتشين المنوط بهم تنفيذ قوانين البيئة خلال فترة الانتخابات حيث يقومون بضبط لوحات المرشحين غير المرخصة برغم شكلها الأنيق وكذلك خلال فترة الأعياد ويقومون بإزالة اللوحات التجارية غير المرخصة للمسرحيات والحفلات إلا أننا لا ندرك حتى هذه اللحظة ما أسباب غض نظر المفتشين عن الإعلانات التي يقوم أصحابها بلصقها على الجدران وعلى المصاعد الكهربائية، على الرغم من ان تلك الإعلانات هي المتهم الأول بالتشوه البصري وتخريب المنشآت الخاصة والعامة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ذلك من باب التعاطف مع أصحابها وتركهم يسترزقون على حساب بيئة الدولة؟ هذا السؤال لابد من الإجابة عنه، والإجابة الصارمة عن هذا الأمر هي ان ذلك يحدث نتيجة اختلال فلسفة الجمال لدى المواطنين بعد أن اعتادت أعيونهم على رؤية هذه الفوضى الإعلانية، وحالة التلوث البصري أصبحت حالة من اللامبالاة وشملت كل المستويات العلمية، فالأمر أصبح الآن لا علاقة له بالثقافة والوعي والشعور بالمسؤولية تجاه مجتمع يختنق بتلوث بيئي وبصري، لذا فإنني أستغرب أن أجد إعلانا لطبيبة تقدم خدمات علاجية وهي في سبيلها للبحث عن زبونة، لم تجد أفضل من (صناديق البريد) تارة وسلال (القمامة) تارة أخرى للصق لوحات إعلاناتها سريالية بعيدة عن الجمال تتكرر رؤيتنا لها في كل شوارع الكويت، ليست في الشوارع فقط وإنما حتى على جدران المنازل والمدارس، تلك اللوحات والإعلانات باتت مجانية يمارس فيها الباحثون عن زبون فوضويتهم الإعلانية دون رادع لهم. وما دعاني إلى هذا السرد المطول لهذا الموضوع ما أشارت اليه احدى الصحف المحلية (او ما قرأته في جريدة «الوطن» في عددها رقم 12400 بتاريخ 11/7/2010) من انتشار هذا التلوث البصري دونما تدخّل من الدولة لحمايته، لاسيما ان هناك قانونا يعاقب على هذا التلوث بجميع أشكاله، فمشرعنا الكويتي ناقش هذا التلوث بمنظار قانوني وأفرد له القانون رقم 21 لسنة 1995 بإنشاء الهيئة العامة للبيئة، حيث نص في مادته (1) على ان «المقصود بتلوث البيئة هو أن يتواجد في البيئة أي من المواد او العوامل الملوثة بكميات او صفات قد تؤدي بطريق مباشر او غير مباشر وحدها او بالتفاعل مع غيرها إلى الإضرار بالصحة العامة او القيام بأعمال وأنشطه قد تؤدي إلى تدهور النظام البيئي الطبيعي أو تعيق الاستمتاع بالحياة».
ولا شك أن وضع الإعلانات بالطريقة التي قمنا بسردها هو ما يؤدي إلى تلوث البيئة، فضلا عن أنها تؤدي إلى تدهور النظام البيئي الطبيعي وتعيق الاستماع بالحياة، وهو ما نسميه الاستمتاع البصري بكل ما هو جميل في مجتمعنا، وعلى ذلك فالمادة 13 من هذا القانون وضعت عقوبة وهي الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات كل من خالف النظم والاشتراطات المنصوص عليها في المادة (8) وهي الخاصة بوضع النظم والاشتراطات الواجب توافرها عند تحديد أي نشاط يؤدي إلى تلوث البيئة، وأجازت المادة للمحكمة ان تلزم الجهة المسببة للتلوث أو الضرر بتحمل جميع التكاليف اللازمة لمعالجة الأضرار التي تلحق بالبيئة وتكون نتيجة مباشرة للمخالفة وبإزالة التلوث على نفقتها.
وفي النهاية أقول ان البيئة الكويتية أمانة لابد أن نحافظ عليها وأن نحترمها لا ان نلوثها، فالمنظور الجمالي لدولتنا يجعلنا نهتم بالبيئة وأن نمنع من يسيء إليها، سواء بالقول او بالفعل، وذلك حتى ننعم ببيئة تجعلنا نرى كل شيء جميل في بلادنا.
www.riyad-center.com