أبدأ هذا الموضوع بعبارة «الأخطاء القاتلة»، فهذا وصف أقل ما يمكن أن يقال لوصف الأخطاء التي وقعت لبعض الطلبة أثناء إعلان نتيجة امتحاناتهم للصف الثاني عشر.
وقبل أن أبدأ سرد هذا الموضوع الذي أصبح حديث الساعة في بلدنا نتيجة إهمال وزارة التربية والتعليم في رصد درجات الطلبة في امتحان الصف الثاني عشر، أقول: ان الأصل في قانون الإثبات هو أن عبء الإثبات يقع على المدعي عملا بالمادة 1 من قانون الإثبات، إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه في تلك القضية لا يستقيم مع واقع الحال وذلك لأن الكنترول المركزي وإدارة المدرسة تحتفظ بالوثائق وأوراق إجابات الطلبة ذات الأثر الحاسم في تلك القضية، لذا فإن عبء الإثبات ينقلب، ويكون على وزارة التربية والتعليم إثبات براءة ذمتها من تلك الدعوى، فالواقعة حتى يفهمها العامة هي ان الطالب له رقما جلوس الأول أثناء امتحانه للصف الحادي عشر أي أثناء امتحانه للفترة الدراسية الثانية والمتمثلة في تلك السنة وفيه يمتحن الطالب وتصحح أوراق إجاباته وتجمع درجاته وذلك على أساس رقم جلوسه في الفترة الدراسية الثانية (الصف الحادي عشر)، أما رقم الجلوس الآخر فيكون بالنسبة للصف الثاني عشر ويختلف عن رقم الجلوس الأول، وبالتالي فإن الطالب يكون له رقم جلوس ثان أثناء امتحانه الفترة الدراسية الرابعة (الصف الثاني عشر) والخطأ الذي وقع فيه الكنترول المركزي هو انه أخذ مجموع درجات الطالب في الفترة الدراسية الثانية بناء على رقم جلوسه وأضاف إليها درجاته عن رقم جلوسه نفسه في الفترة الدراسية الرابعة، وهذا خطأ لأن رقم الجلوس الثاني، وهو المتمثل في الفترة الدراسية الرابعة، ليس باسم الطالب الذي كان له رقم جلوس مختلف في هذه الفترة، الأمر الذي حصل فيه كل طالب على مجموع ليس مجموعه، وبالتالي حدثت تلك الأخطاء، والذي كشف تلك المهزلة والأخطاء القاتلة أحد أولياء الأمور لأنه وجد ان الدرجات التي حصل عليها ابنه ليست هي الدرجة نفسها فقام بمراجعة إدارة المدرسة التي أعطته كتابا رسميا لمخاطبة الكنترول المركزي، وبالتحقيق تبين ان الكنترول لم يقم بإدخال الدرجة بحسب كتاب المدرسة وبالبحث والتقصي تم اكتشاف أنه تم إدخال الدرجة للطالب بالنظر إلى رقم جلوسه في الفترة الدراسية الثانية، وهذا خطأ قاتل لأن إدخال الدرجة تم أثناء العمل في الفترة الدراسية الرابعة، حيث كان للطالب رقم جلوس مختلف، وبالتالي فإن الدرجة سجلت لطالب آخر، وأتساءل: ألهذا الحد وصل الإهمال والتسيب حتى في مصائر ومستقبل أولادنا؟ سؤال أريد له إجابة، وإجابته هي محاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال والتقصير في توخي الحذر والدقة في مصائر ومستقبل أولادنا، والمنظار القانوني لهذه الواقعة أنها تشكل جناية تزوير في محررات رسمية اذا ثبت ان هناك تعمدا وقصدا، حيث انها تغيير للحقيقة في نتيجة امتحان الصف الثاني عشر وفي عملية رصد الدرجات على أوراق رسمية تخص وزارة التربية والتعليم، وذلك عملا بالمادة 257 من قانون الجزاء، وإن الحقيقة الظاهرة للواقعة غير مقصودة وهي إهمال وتقصير، وإن كان لا يرقى إلى مرتبة العمد إلا أنه يشكل مخالفة جسيمة في مجال العمل تستوجب جزاء تأديبا رادعا حتى يكون من يمارس العمل في الكنترول المركزي يقظا في أداء عمله، خصوصا انه يمارس عملا يخص مستقبل أبنائنا ومصائرهم لأن عدم اكتشاف تلك الأخطاء وإن كان سيطرح سدى إلا أنه كان سيؤدي إلى دخول بعض الطلاب لجامعات لا يستحقونها على حساب طلبة آخرين حرموا من ذلك نتيجة الإهمال والتقصير والتسيب، لذا فمن الضروري ان تفتح وزارة التربية والتعليم تحقيقا موسعا لمجازاة من تسبب في ذلك جزاء رادعا حتى ولو أدى الأمر إلى تخطيه في الترقية أو توجيه لوم أو إنذار او خصم من الراتب حتى يكون عبرة لغيره ممن يقومون على مصائر الناس ومستقبلهم.
هذا عن الجانب الجزائي والتأديبي في قانون الجزاء والعمل، إلا أنه بالنسبة للمسؤولية المدنية، فالمادة 227 من القانون المدني سطر بها أن «كل من أحدث بفعله الخاطئ ضررا بغيره يلتزم بتعويضه»، ولا شك ان ادارة الكنترول المركزي والعاملين بها قد ارتكبوا خطأ تمثل في أخطائهم في رصد الدرجات بالمخالفة للحقيقة، وكان ذلك لإهمالهم وعدم تحريهم الدقة والحذر، الأمر الذي خلف أضرارا للطلبة، فضلا عن انهم من تابعي وزارة التربية، الأمر الذي تكون الوزارة مسؤولة معهم بالتضامن عملا بالمادة 240 من القانون المدني (وهي مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع) ولاشك ان تابعي وزارة التربية والتعليم وأقصد القائمين على الكنترول المركزي أثناء رصدهم درجات امتحان الطلبة للصف الثاني عشر ارتكبوا الخطأ سالف البيان، الذي رتب ضررا، وهذا الضرر تمثل في الكسب الذي فات والخسارة التي وقعت نتيجة ان بعض الطلبة رصدت لهم درجات أقل من تلك التي كانوا يستحقون الحصول عليها وهو ما أصابهم بخسارة فادحة، ما يتعين معه تعويضهم عن تلك الخسارة والكسب الذي فات عملا بالمادة 230 من القانون المدني، وهذا ما دعا جامعة الكويت إلى تجميع بعض شهادات طلبة الصف الثاني عشر الوارد بها أخطاء لإرجاعها إلى وزارة التربية والتعليم، تمهيدا لتصحيح هذه الأخطاء إلى جانب تصحيح الأخطاء الواردة في الشهادات التي لم يتسلمها أوليا الأمور.
وأقول ان وزارة التربية والتعليم ظلمت من يستحق ومنحت من لا يستحق، إذن فالخطأ من جانبها مزدوج، ولابد من التصحيح ليعود الحق لأصحابه ولوضع الأمور في نصابها ومحاسبة العاملين المسؤولين عن ذلك.
www.riyad-center.com