المتتبع للجرائم المرتكبة في دولتنا الآن يستبين له ظهور أنماط من الجرائم تعتبر دخيلة على مجتمعنا، فالمعتاد وما درج عليه العمل ان تتقدم فتاة او سيدة ببلاغ تتهم فيه رجلا بمعاكستها فهذا أمر طبيعي ويكاد يسجل يوميا في أحوال المخافر. إلا انه ورغم ندرة الأمر فإن تسجيل رجل لبلاغ يتهم فيه سيدة او فتاة بمكاتبته او معاكسته أمر غير مستغرب وإن كان غير مألوف، أما ان تتقدم فتاة تتهم اخرى بالتحرش بها ومعاكستها وإمطارها برسائل الحب والإعجاب فهو الأمر الغريب الشاذ. وما جعلني أسرد تلك المقدمة ما قرأته في جريدة «الأنباء» بعددها رقم 12337 الصادر في 24/7/2010 من ان إحدى الفتيات تقدمت ببلاغ تتهم فيه فتاة في العشرين من عمرها تقوم بمعاكستها والتحرش بها وملاحقتها وإرسال رسائل هاتفية غرامية على هاتفها بعد ان حصلت على رقم هاتفها بطريقة ما، وفي البلاغ أوضحت الفتاة انها ترددت كثيرا قبل تقديم تلك الشكوى ضد الفتاة التي دأبت طيلة 3 أسابيع على ملاحقتها بسيارتها وتستوقفها بينما هي في طريقها الى منزلها عائدة من الجامعة، إلا ان الفتاة تجاهلت الأمر الا انها فوجئت بعد أسبوع برسائل هاتفية تصل على هاتفها تتضمن الاعجاب والحب والغرام حتى بلغ عددها 120 رسالة خلال اقل من 10 أيام وتدعوها في رسائلها لعلاقة صداقة والارتباط معها وهو ما جعل الفتاة تضيق ذرعا من تلك التصرفات وأبلغت والدتها التي نصحتها باللجوء الى رجال الأمن لوضع حد لهذه الفتاة العشرينية وكانت الرسائل المرسلة على هاتف الفتاة مسطرا فيها (احبك...)، (لا استطيع النوم...) وغيرها من الرسائل المشبوهة التي تثير التعجب، تلك هي الواقعة التي تلقي بظلالها على المجتمع الكويتي المعروف بأعرافه وتقاليده وقيمه. وتعجبت لهذه الواقعة وتساءلت هل وصل الأمر بشبابنا إلى هذا الانحدار الأخلاقي؟ الإجابة.. لا شك أننا في ثورة فكرية واستعمارية نقلت إلينا من الغرب بعد ان بدأنا نقلد الغرب في تصرفاتهم، وهي غريبة علينا وعلى مجتمعنا، فهذه الواقعة قد تكون عادية في المجتمع الأوروبي لكنها مستهجنة ومرفوضة في مجتمعنا ولابد من معرفة الدوافع النفسية لهذا الموضوع، إلا أن هذا هو مصب اهتمام الطب النفسي، اما المنظور القانوني لهذه الواقعة فالمادة 200/1 من قانون الجزاء تنص على: «كل من حرض ذكرا أو أنثى على ارتكاب أفعال الفجور والدعارة أو ساعده على ذلك بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة»، فلا شك ان ما تفعله الفتاة العشرينية لفتاة جنسها من التحرش الجنسي وملاحقتها وطلبها الارتباط بها الأمر الذي يشكل جريمة التحريض على ارتكاب أفعال لا أخلاقية معها، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل القانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن إساءة استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 2007 بشأن تعديل القانون سالف الذكر نص في مادته 1 فقرة 2 على: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من أساء عمدا استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية. وجاءت الفقرة الثانية من المادة مشددة العقاب على انه اذا اشتملت الإساءة العمدية لاستعمال وسائل الاتصالات على ألفاظ بذيئة او مخلة بالحياء او تحريض على الفسق والفجور فإن العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين، ولا شك ان استعمال الفتاة العشرينية لهاتفها وإساءة استعماله بأن أرسلت عدة رسائل غرامية ورسائل حب الى فتاة يشكل تلك الجريمة وهو ما يتعين معه معاقبتها بتلك العقوبة، إلا انه ولما كانت الجرائم المرتكبة من الفتاة العشرينية قد انتظمها سلوك إجرامي واحد فإنه يتعين معه معاقبتها بأشد العقوبات المنصوص عليها بالقانون 9 لسنة 2001 بشأن إساءة استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية المعدلة بند 40 لسنة 2007 والتي أفرد لها المشرع عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين وذلك عملا بالمادة 84/1 من قانون الجزاء، وفي النهاية أشير الى ان مجتمعنا في حاجة ملحة لمناقشة مثل تلك الجرائم قبل ان تستفحل وتنتشر. وقبل توقيع عقوبة على تلك الفتاة، لابد من معالجتها نفسيا لمعرفة الدوافع التي جعلتها تنتهج تلك التصرفات والأفعال المستهجنة فقد يكون هناك انشقاق عائلي في أسرتها ما دفعها إلى إتيان تلك التصرفات فيجب قبل إخضاعها للعقاب معالجتها نفسيا ومعرفة الدافع لذلك، لأن من واجب قضائنا الشامخ وضع العلاج المناسب قبل توقيع العقوبة لأن العلاج قد يأتي بثماره بدلا من البتر الذي قد لا يكون فيه شفاء بل على العكس ينذر بتفاقم الجريمة وانتشارها.
www.riyad-center.com