ابدأ مقالتي بمقولة «الميت الحي»، فهي مأساة مواطن فقير يحيا بالكاد ، لفظته الحياة فهرب منها على غير رغبة منه إلى غيبوبة، ورأى الأطباء رأفة بظروفه ان يسدلوا الستار على معاناته ويستخرجوا له تصريح دفن، لكن الموت لم يكن به ارحم من الحياة، ولم يحتمله اكثر من ثلاث ليال ثم ضاق به فقذفه إلى الحياة مرة أخرى، هذه الواقعة التي ارويها حقيقية وليست من خيال أو ابداع كاتب سينمائي. فهذه القصة ـ المأساة حصلت لمصري مات أو «هكذا» اعتبروه لمدة ثلاثة أيام قضاها داخل القبر، ثم عاد بعدها للحياة مرة أخرى كشاهد حي وتجسيد لأمراض المجتمع التي منها الإهمال والفوضى في مهنة من اجل المهن على وجه البسيطة الا وهي مهنة الطب، فالواقعة كما يرويها «حسين المصري الجنسية ـ الميت الحي» إذا جاز التعبير تبدأ مع عودته من عمله ذات ليلة، حيث يعمل خراطا، وبعد تناوله للعشاء ذهب في نوم عميق لم يفق منه إلا بعد خمسة أيام، حيث أصيب بغيبوبة صباح اليوم التالي، قرر الاطباء على اثرها انه مات مسموما وتم نقله للمستشفى، حيث استخرج له شهادة وفاة وتصريح دفن، ودفن بجوار والده في قبره، وأقام أهله سرادق العزاء وسط حالة من الحزن الشديد ومراسم الحداد القاسية، خاصة ان الفقيد «الحي» كان حينها في ريعان شبابه لا تتعدى سنه ثمان وثلاثين سنة ولم يمر على زواجه سوى شهرين فقط، المفاجأة والمعجزة كما يرويها صاحبها «الميت الحي» انه بعد ثلاثة ايام من دفنه وتواجده بالقبر استيقظ من موته او غيبوبته ليجد نفسه محاطا بالظلام مرتديا زيا من قطعة واحدة مدعمة بكمية من القطن، فقام بالصراخ وحاول الخروج من القبر باتجاه السلالم المؤدية لباب المدفن، وظل في صراخه طيلة يومين ويقوم بالنداء على أحد لينقذه والحمد لله انه دفن في غرفة حسب ما هو متبع في مصر، اما لو كان دفن في مدفن كما هو جار في الكويت والخليج لما استطاع الحركة في اليوم الخامس، فقام «التربي» بإحضار تصريح، وعقب دخوله ومشاهدته لـ «الميت الحي» أصيب بأزمة قلبية اودت بحياته وتم نقل الميت الحي للمستشفى، وفور علم والدته بالواقعة همت بزيارته وبمجرد ان رأته ابتسمت ثم سقطت مفارقة الحياة هي الاخرى، الأمر الذي افقد الميت الحي القدرة على الكلام لمدة ثلاثة أشهر الى أن استرد عافيته وعاد إلى بيته (حجرته) مرة أخرى، أما موقف الأطباء الذين استخرجوا له شهادة وفاة من المستشفى بطريق الخطأ فقد فوجئ بان مدير المستشفى والطبيب هربا بعد ان شطبا اسمه من سجلات ودفاتر المستشفى الذي خرج منه ميتا بشهادة وفاة، وبالعودة إلى المنظار القانوني لتلك الواقعة على ضوء أحكام قانون الجزاء الكويتي والقوانين الخاصة في دولتنا.
فالبين ان القانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري نص في مادته رقم 1/1، 8، 9 أنه يعتبر ممارسا لمهنة الطب البشري ويتحمل مسؤولية ممارسته كل من باشر بنفسه او بواسطة غيره أو بأي وسيلة أخرى في شخص إنسان الفحص أو التشخيص أو اعطاء شهادة أو تقرير طبي يتعلق بصحة الإنسان او بتعطيله عن العمل، كذلك إجراء الفحوص الطبية الشرعية او إجراء الصفة التشريحية لجثث او اعطاء تقارير طبية بهذا الشأن – ونص في المادة 13 «يكون الطبيب مسؤولا في الحالتين الاثنتين.. ويهمنا الحالة الأولى: أ ـ إذا ارتكب خطأ نتيجة الجهل بأمور فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها سواء من حيث تشخيص المرض او وصف العلاج المناسب وترتب على هذا الخطأ الاضرار بالمريض ولا شك ان طبيب المستشفى الذي كشف على «الميت الحي» اخطأ في التشخيص واصفا حالته بالتسمم وكان هذا الخطأ السبب المباشر الذي على أساسه اعتبر الحي ميتا وتم استخراج شهادة وفاة وتصريح دفن على خلاف الحقيقة وهو ما أوقع الطبيب المسؤول عن التشخيص للمحاكمة التأديبية وذلك عملا بنص المادة 39/40 من القانون وذلك فيما يرتكبونه من مخالفات لأحكام هذا القانون أو لأصوله وترفع تلك الدعوى بقرار من وكيل وزارة الصحة العامة، هذا عن المخالفة الإدارية إلا أن هناك مخالفات جزائية ارتكبها الطبيب الذي أخطا في التشخيص وهي قيامه مع مدير المستشفى بشطب اسم «الميت الحي» من سجلات المستشفى الذي ادخل فيه على خلاف الحقيقة، الأمر الذي أعاق إثبات انه خرج منه ميتا وهو ما أوقع مدير المستشفى والطبيب الذي شخص حالة «الميت الحي» تحت حكم المادة 257، 258 من قانون الجزاء لارتكابهما تزويرا في مستند رسمي وهو دفاتر إثبات الوفيات بالمستشفى بأن اثبتا على خلاف الحقيقة حالة وفاته ثم قيامهما بشطبها للإيهام بأنه لم يدخل المستشفى وذلك هربا من المسؤولية الملقاة على عاتقهما. الأمر الذي أسبغ المشرع الجزائي عليه عقوبة الحبس التي لا تجاوز ثلاث سنوات، فضلا عما أوردناه من عقوبات تأديبية توقع عليهما ـ هذا عن حالة الخطأ في التشخيص من قبل الأطباء.
www.riyad-center.com