المخدرات نوع من السموم وتعاطيها في غير حالة العلاج الطبي يعد من ظواهر الانحراف والعلل الاجتماعية لما لذلك من مضار صحية واقتصادية واجتماعية، وتعاطي المخدرات يجر في الغالب إلى إدمانها وعندئذ تحدث الكآبة والأكدار بحياة المدمن وأسرته، وتهددها بأفدح الاخطار، إذ يصاب المدمن بالقلق النفسي والاضطراب العقلي ويفقد القدرة على العمل ويجد صعوبة في الإقدام عليه، الامر الذي يصبح عالة على المجتمع، وفي هذه الحالة الخطيرة من حياة المدمن تكون حاجته إلى المخدر أهم من حاجته إلى أسرته وقد يلجأ إلى الجريمة من أجل الحصول على المخدر الذي أدمنه وجر عليه وعلى ذويه المصائب وإذا تأخر عن موعد تعاطيه يتحول إلى كائن هائج، بل ان من المخدرات ما يسبب بطبيعته الهياج والإقدام على العدوان لمتعاطيه والمدمن عليه فيدفعه إلى ارتكاب الجرائم التي تمس حياة او سلامة الأشخاص، ولتعاطي المخدرات في غير حالة العلاج الطبي وإدمانها آثار هدامة ولا تقف عند المدمن وحده وانما تتعداه إلى ذريته وأسرته، ولعل ما دفعني إلى سرد هذه السطور القلائل ما قرأته في الصحف اليومية في عددها رقم 12417 الصادر في 28/7/2010 عن أن أسرة مكونة من أربعة أشخاص عاشوا لحظات رعب وخوف كادت تصل إلى حد تصفيتهم جسديا من قبل الابن الأكبر الذي أدمن تعاطي المخدرات عندما احتجز أشقاءه الثلاثة ساعات طويلة في إحدى غرف المنزل وهددهم بالقتل بسلاح رشاش ما لم يحصل على المال لشراء مستلزماته وما يحتاجه من المخدرات وفور ورود البلاغ توجه رجال امن مديرية الجهراء إلى موقع البلاغ وتقابلوا مع والدته التي كانت تنتظرهم وأطلعتهم على الوضع فطلب منها رجال الامن مسايرة ابنها في طلبه وأن تحادثه من وراء الباب وتبلغه بأنها ستضع النقود التي طلبها امام باب الغرفة التي يحتجز فيها أشقاءه الثلاثة وقامت والدة المدمن بتنفيذ طلباته ووضعت المبلغ امام باب الغرفة، حيث كان رجال الامن مختبئين لحين ظهوره وعندما بلع الابن المدمن الطعم أطبق رجال الامن عليه وطرحوه ارضا وسيطروا عليه وأخذوا السلاح الرشاش منه وحرروا أفراد أسرته من قبضته وتم اقتياده إلى مخفر الواحة، حيث تم احتجازه لحين عرضه على النيابة العامة، تلك هي الواقعة التي قرأتها وتساءلت: ما المسؤولية الجنائية لهذا المدمن؟ وهل يسأل جنائيا عن فعله الآثم أم لا يسأل؟ أقول ان القانون الكويتي يعتمد في هذا الشأن تفرقة معينة: فإن المسؤولية الجنائية لا تمتنع اذا كان الشخص الذي تعاطى المخدر آثما في تعاطيها بان تناولها باختياره وعن علم بطبيعتها اما اذا كان معذورا في ذلك بان أخذها قهرا عنه او على غير علم منه بها فأفقدته الشعور والاختيار وقت ارتكاب الجريمة فإنه لا يسأل جنائيا، وهذا ما نصت عليه المادة 23 من قانون الجزاء حين قالت: لا يسأل جزائيا من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزا عن ادراك طبيعته او صفته غير المشروعة، او عاجزا عن توجيه إرادته، لتناوله مادة مسكرة او مخدرة، اذا تناول هذه المواد قهرا عنه او على غير علم بها، اما من يتناول المخدر باختياره وعن علم فلا تمنع مسؤوليته الجنائية ولو كان وقت ارتكاب الجريمة فاقدا القدرة على فهم طبيعة أعماله ويسأل جنائيا كما لو كان مفيقا، وفي حالتنا المعروضة فإن الشاب المدمن كان وقت حجز اشقائه ومطالبته لفدية فاقدا القدرة على توجيه ارادته وسلوكه، حيث انه أدمن المخدرات وأن تناوله للمخدر كان باختياره لذا يكون مسؤولا جنائيا عن أفعاله الاجرامية ولا تمنع مسؤوليته الجنائية عنه حتى لو كانت وقت ارتكاب جرائمه فاقدا القدرة على فهم طبيعة أعماله وهنا الشاب لم يثبت انه بحوزته مخدرات يتعاطاها وإنما جرائمه التي ارتكبها كانت بمناسبة تعاطيه للمخدرات وعليه يسأل الشاب المدمن عما اذا كان تناوله للمخدرات بإرادته وعن جريمتي احراز سلاح وذخائر دون ترخيص وحجز دون وجه حق، فالجريمة الأولى هو ضبطه وبحيازته رشاش معمر بالذخائر والمحظور بنص المادة 2 من القانون 13 لسنة 1991 في شأن الأسلحة والذخائر والتي سطر بها «لا يجوز بغير ترخيص من وزير الداخلية او من يفوضه حيازة او احراز الأسلحة والذخائر»، وهو الامر الذي أوقعه تحت عقاب ذلك القانون في مادته 21 فقرة 2 «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات كل من حاز او احرز او استعمل بنفسه مدفعا او رشاشا» فضلا عما أوردته المادة بعقوبة تبعية هي مصادرة الأسلحة والذخائر محل الجريمة فضلا عن أن الشاب المدمن ارتكب جريمة الحجز دون وجه حق من احتجازه لأشقائه الثلاثة طلبا للمال لشراء احتياجاته من المخدرات، الامر الذي أوقعه تحت نص المادة 184/2 من قانون الجزاء لان حجزه لأشقائه كان بالتهديد بقتلهم اذا لم تذعن والدته له وتوفر له المال لشراء المخدرات، الامر الذي أوقعه تحت عقاب تلك المادة والتي افرد لها المشرع عقوبة الحبس التي لا تجاوز مدته سبع سنوات وإذا كنا قد حللنا تلك الجريمة بمنظارنا القانوني سواء اذا كان الشاب مدمنا أي تناول المواد المخدرة باختياره او قهرا عنه، إلا أننا لا يجوز ان يفوتنا ان المشرع الكويتي نص في المادة 33/2 من قانون المخدرات في حالة إحالة الشاب المدمن لمحكمة الجنايات على انه «يجوز لتلك المحكمة بدلا من ان توقع العقوبات عليه ان تأمر بايداعه احدى المصحات ليعالج فيها»، فضلا على ان المادة 35 من قانون المخدرات 74 لسنة 1983 نصت على انه « يجوز لأحد الزوجين او أي من الأقارب حتى الدرجة الثانية ان يطلب من النيابة العامة ايداع زوجه او قريبه الذي يشكو ادمانه احدى المصحات للعلاج» وعلى النيابة العامة متى استظهرت من التحقيق ومن تقرير مستشفى الطب النفسي جدية الطلب ان تحوله إلى محكمة الجنايات لتفصل فيه اما بالرفض او بايداع الشاب المدمن احد المصحات للعلاج عملا بالمادة 33/2 من قانون المخدرات، وبعد هذا العرض للموضوع الذي قرأته وفقا للمنظار القانوني له أقول ان للأسرة دورا رئيسا فيما وصل اليه أحد أبنائها من إدمانه للمخدرات وهو ما أوصل هذا الشاب للتطاول على أسرته فكثرة المال بين أيدي أولادنا وشبابنا والفراغ وانتفاء المسؤولية لديهم من الأسباب المهمة التي تؤدي بهم إلى هذه النتيجة التي نحن بصددها فلابد ان تتكاتف الأسرة ومؤسسات المجتمع لتراقب سلوك أولادنا وان يكون هناك تواصل بين أفرادها وان يكون هناك يوم كل أسبوع تجتمع فيه الأسرة للجلوس مع بعضها البعض للحوار والتفاهم بدلا من ان نترك أبناءنا ونزواتهم ثم نبكي على ما وصل اليه الحال، فلابد من العلاج في بادئ الأمر بدلا من ان ينخر المرض في أولادنا ثم نقوم بعلاجهم عندما يكون المرض قد تفشي في أجسادهم مما يوقعهم في براثن الجريمة.
www.riyad-center.com