مقالي الذي أتناوله الآن هو عن التلوث السمعي بمصدريه المباشر وغير المباشر والذي اعتبره من «جرائم العصر الحديث» فالملوثات السمعية أصبحت تحيط بنا من كل صوب وحدب وهذه الملوثات ينتج عنها عدم استقرار واضطراب وضرر، والتلوث السمعي اما ان يكون مباشرا مصدره الانسان أو غير مباشر مصدره الضوضاء التي تخرج من المصانع وأصوات الطائرات والسيارات والمشاريع التنموية القائمة والمزمع انشاؤها أما عن الملوثات السمعية المباشرة والتي مصدرها الانسان وهو ما يحدث تلك الملوثات بفعله فالبين أن أيا منا ما أن يدلف الى مطعم أو مجمع من المجمعات لشراء احتياجاته الا ويفاجأ بأصوات عالية «تصم الاذن» نتيجة الاكتظاظ فضلا عن أجهزة التلفاز وأصواتها العالية خصوصا أن الكثير من الناس أصبحوا يتابعون الفضائيات والبرامج بكثرة وما أن تمر بجانب البيوت والدواوين الا وتسمع صوت التلفاز العالي فهذا الضوضاء ظاهرة وليس ثقافة تسود المجتمع وما أن يتم القضاء على أسباب تلك الظاهرة فانه من المؤكد سيتم الانتهاء والقضاء على الضوضاء كليا كما أن لغة الحوار بيننا أقصد «لغة الصراخ» أصبحت أحد المسببات للتلوث السمعي فقد انتشرت تلك اللغة بصورة غريبة حتى أصبحت هي لغة التخاطب وما يؤكد كلامي هذا هو وصول تلك الظاهرة الى المؤسسة التشريعية في الكويت ممثلة في مجلس الامة حتى أصبح البعض يعيرنا بمجلس الامة لانه أصبح مليئا بالصراخ حتى فقد المجلس دوره الرئيسي في التشريع والرقابة وأصبح أي نائب يريد طرح سؤال أو استجواب سبيله هو الصراخ والصوت العالي الى حد قد تصل الامور الى التراشق بالالفاظ ورشق الكلمات بصوت عال يزعج المسامع وحتى باقي النواب في متابعة جلسات المجلس الامر الذي يتوافر معه جرائم القذف والسب في حق العضو بسبب هذا الصراخ والتراشق بالالفاظ بأصوات عالية فضلا عن أن ممارسات بعض أعضاء مجلس الامة والذين يجب أن يكونوا بالاساس قدوة للشباب في كيفية التخاطب العقلاني الناجم عن الحجة والمنطق والدليل حيث نجد بعض الاعضاء يصرخ معتقدا أن هذه الوسيلة تمكنه من تحقيق مآربه حتى أن طريقة الحكومة في عدم الرد على هذا العضو أيضا ساعدته على غلوه باستخدام الصراخ كمنهج، فرضوخ الحكومة المستمر لاعضاء الصراخ ومتطلباتهم أدت الى تماديهم، ولا أخفي ما نشاهده الآن من الشباب المستهتر الذي يسبب الازعاج للناس عن طريق قيادتهم السيارات برعونة واستهتار أو عن طريق تشغيلهم الموسيقى الصاخبة في سياراتهم أثناء سيرهم بها وهو ما يجعلهم ينشغلون بها وسماعها دون انشغالهم بالطريق مما يتسبب ذلك في حدوث جرائم يسأل عنها هؤلاء الشباب بفعلهم الارعن وهي جرائم القتل والاصابة الخطأ والاتلاف العمدي والمؤثم بالمواد 154، 164 و249 من قانون الجزاء – لذا لزم التنويه أن العيش في صخب وازعاج أصبح سمة وعادة سيئة لدى الجميع حتى اصبح الضوضاء جزءا لا يتجزءا من ثقافة المجتمع – لذا وجب توجيه النداء لهؤلاء الشباب المستهتر بأن يحترموا أنفسهم ويتخلقوا بأخلاق الاسلام الحنيف وأن يحترموا الناس بعيدا عن محاولات اثبات الوجود ولفت الانظار على حساب راحة الناس، ننتقل الى نقطة أخرى نتعرض اليها وهي المصادر غير المباشرة للتلوث السمعي ومنها مصادر خارج المنزل كحركة المرور في الطرقات والمصانع والمطارات وورش تصليح السيارات، فالكل يعلم تماما ان مطار الكويت يقع بالقرب من المناطق السكنية خصوصا منطقة الفروانية واشبيلية والجليب فسكان تلك المناطق يسمعون وبصورة يومية أصوات الطائرات سواء التي تقلع او التي تهبط على ارض المطار اضافة الى أصوات المصانع التي تقع أيضا بجانب المناطق المأهولة بالسكان وتسبب ضوضاء، والضوضاء هو الصوت غير المطلوب او غير المرغوب ولذلك فان التلوث السمعي أو الضوضائي غير المباشر يرتبط ارتباطا وثيقا بالاماكن المتقدمة – ولذا كان واجبا أن اشير الى أن هناك مشاريع تنموية قادمة تنشئها الدولة فمثلا مشروع متروا الانفاق المستقبلي والذي سيربط مناطق الكويت المختلفة يجب أن تراعي فيه أعلى مقاييس ومعايير الحد من التلوث السمعي بالاضافة الى أنه يجب اخضاع المصانع لتقنيات التقليل من الضوضاء واقامة عوازل صوت حول المباني المنتجة والحد من اقامة المصانع ومحطات توليد الطاقة بالقرب من التجمعات السكنية وضرورة اقامة حزام شجري اخضر حول المباني التي تحتاج الى الهدوء كل هذا وغيره من وسائل الحد من الضوضاء والتلوث السمعي في المدن – هذا من الوجهة العملية للتلوث السمعي المباشر وغير المباشر – أما المنظار القانوني له فالقانون رقم 21 لسنة 1995 بانشاء الهيئة العامة للبيئة نص في مادته رقم (1) فقرة 7 على أن المقصود بالمواد والعوامل الملوثة سائلة أو صلبة أو غازية أو روائح أو ضجيج أو اشاعات أو وهج اضاءة أو اهتزازات تنتج بفعل الانسان وتؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الى تلوث البيئة ونص في مادته رقم 8/1 على أن مجلس ادارة الهيئة العامة للبيئة يضع الانظمة والاشتراطات الواجب توافرها عند تحديد الموقع أو انشاء أو استخدام أو ازالة أي منشأة أو انتاج مواد أو القيام بعمليات أو أي نشاط آخر قد يؤدي الى تلوث البيئة، ولم يقف القانون عند هذا الحد بل وضع عقوبة ضمنها نص المادة (13) من ذات القانون وهي الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات لكل من خالف النظم والاشتراطات المنصوص عليها في المادة الثامنة سالفة الذكر، وأجاز القانون للمحكمة مصادرة الاشياء التي تسببت في تلوث البيئة أو الاضرار بها مع الزام الجهة المسببة للتلوث بتحمل جميع التكاليف لمعالجة الاضرار التي تلحق بالبيئة وتكون نتيجة مباشرة للمخالفة وبازالة التلوث على نفقتها أو غلق الاماكن التي يكون العمل فيها مصدرا للتلوث وذلك لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر فاذا تكررت المخالفة جاز للمحكمة الغاء الترخيص – لذلك أقول في ختام مقالي هذا أن كل ما هو دخيل بشكل زائد أو ناقص على البيئة الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالي له تأثير سلبي وعلى الفرد أن يتيقظ وينهض لادراك كيفية العلاج وهناك بعض الاجراءات الواجب اتخاذها من قبل الحكومة للحد من التلوث السمعي بمصدريه المباشر وغير المباشر - منها التوعية بالمخاطر المصاحبة للضوضاء والتلوث السمعي ووضع نظام يتم فيه تغريم كل من يتسبب في احداث الضوضاء فضلا على منع دخول الآلات ذات الاصوات العالية الى البلاد وعمل تقارير دورية لقياس التلوث السمعي وتحديد المناطق الاكثر ضررا لمعالجتها وتفادي ذلك التلوث بالنسبة لها والعمل على أن تلزم الهيئة العامة للبيئة هيئة الطيران المدني باشتراطاتها البيئة وبمدى التلوث السمعي الصادر من الطائرات وذلك حتى تتفادى هيئة الطيران المدني ذلك الصخب والعمل على ازالته بعمل تطوير على الطائرات بوضع محركات خاصة تكون ذات صوت منخفض وهو ما ستطبقه الكويت بناء على توصيات الهيئة العامة للبيئة كما يجب أن تكون هناك توعيه سليمة في التربية داخل الاسرة وأن تغرسها في الطفل منذ الصغر فضلا عن واجب المدرسة في كل مراحلها التعليمية أن تركز على احترام الآخرين وتوضح مدى تأثير التعرض المستمر للملوثات على القدرة السمعية للفرد فضلا عن أن تعديل هذا السلوك بشكل ايجابي يجب أن يكون نابعا من أحساس الفرد بمسؤوليته في عدم ازعاج الآخرين وايزائهم وذلك حتى نصل الى الهدوء والطمأنينة التي يجب أن تسود في مجتمعنا.
[email protected]