نحن نعيش في بلد حريات يحكمه القانون الذي هو ملاذ للجميع بما يعني التشدد في تطبيقه على من يتجاوزه إلا اننا امام ظاهرة اصبحت منتشرة في بلادنا الآن وهي ظاهرة «المتسول المحترم» الذي ما ان شاهدته حتى وقرته لوسامته ومدى ما يتحلى به من ملابس تجبرك على احترامه هذا من الوضع الظاهري إلا انه بعد الجلوس معه تشاهده يستجديك في طلب مساعدة أو معونة دون داع لذلك إلا التسول المشمول بالأدب ولكن لا يمت بصلة إلى هذه العبارة ـ وهناك أنماط من هذه الظاهرة، فهناك شخص يدخل مؤسسة اقتصادية كبيرة عارضا كرته الشخصي مسطرا به هاتفه النقال بما يحمله من أرقام تلفت النظر ويطلب من سكرتارية المؤسسة ان تحدد مقابلة هامة مع رئيس مجلس إدارتها ونظرا للهالة التي عليها، هذا الشخص يتم تحديد ميعاد مع رئيس مجلس الإدارة الذي يتلهف لمقابلة هذه الشخصية وتتم المقابلة واذا بالشخص ذي الهالة الجذابة وبعد تداوله اطراف الحديث مع رئيس المؤسسة يفاجأ بأن هذا الشخص يطلب مساعدة بأي مبلغ مالي بعد ان يعرض عليه اوراقا تدل على الضائقة المالية التي يمر بها الامر الذي يجعل رئيس المؤسسة يقوم بمساعدة هذا الشخص لسداد مديونيته التي ادعاها، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يخرج الشخص المحترم ذو الهالة الجذابة من هذه المؤسسة قاصدا مؤسسة اخرى طالبا نفس المعونة بنفس الشموخ والعظمة وقد سطرت بعض الصحف اليومية ان رجال الداخلية ضبطوا شخصا يمارس نفس الاعمال (التسول) ووجدوا ان حصيلته اليومية تتعدى أكثر من ثلاثمائة دينار وهناك تسول آخر وهو ما نشاهده في دخول اكثر من شخص مع بعضهم البعض الى الديوانيات يتصدرهم شخص ذو لحية بيضاء ما ان تشاهده حتى توقره ويوهم صاحب الديوانية بأنه من احدى القبائل العريقة في الدولة وان من معه من الاشخاص الآخرين هم من نفس قبيلته وانهم ضحية ضائقة مالية طالبين المساعدة اجباريا وليس تطوعيا وهو ما يدفع صاحب الديوانية درءا للحرج الى ان يدفع المبلغ المالي لهؤلاء الاشخاص وهناك تسول آخر يتخذ صورة الطبقة الراقية حيث نجد شخصا يمتطي سيارة فخمة يجلس في المقعد الخلفي ويقف امام احدى المؤسسات وما ان تقف السيارة حتى يقوم السائق بفتح باب السيارة حاملا حقيبة هذا الشخص ويسير خلفه حيث المؤسسة التي يقصدها وما ان يدخلها هذا الشخص بالهيلمان الذي فعله حتى تغتر فيه سكرتارية المؤسسة وتفتح له الابواب للدخول لمقابلة مديرها وما ان يجلس هذا الشخص مع مسؤول هذه المؤسسة حتى يخرج الاوراق من حقيبته بها شهادات مرضية تفيد بأنه في حاجة للمال للمساعدة وللعلاج الامر الذي يجد معه مدير المؤسسة نفسه امام حالة من حالات «ارحموا عزيز قوم ذل» ويخرج ما في جيبه لمساعدة هذا الشخص ولو عرف ذلك من قبل لما اجلسه معه إلا ان واقع الحال اوهمه في لباسه ووقاره ظنا منه انه يريد ان يبرم صفقة تجارية معه. وهناك نمط آخر من التسول نطلق عليه «التسول القضائي»، حيث يجد المحامي من يدخل عليه طالبا مقابلته ويظن المحامي ان هناك قضية سوف يترافع فيها عن هذا الشخص الا ان الواقع يناقض ذلك حيث يفاجأ المحامي بالشخص حاملا اوراقا تفيد بأن هناك احكاما قضائية عليه واجبة التنفيذ وانه يجب ان يسدد مبالغ هذه الاحكام والا يكون مصيره السجن فيقوم المحامي بعرض مساعدته بأنه سيقوم بمساعدته في الدفاع عنه الا ان الشخص يصر على المبلغ النقدي على اعتبار ان الامر استنفد كل الوسائل القانونية وانه يجب أن يسدده، الامر الذي يجعل المحامي ودرءا للحرج يدفع مبلغ المساعدة منعا لاهتزاز صورته في المكتب وامام موكليه وحتى يتفرغ لعمله. تلك هي الافعال التي اصبحت ظاهرة في مجتمعنا وانتشرت، واقول استفحلت لدرجة اننا اصبحنا نجهل حقيقة بعض الامور وذلك بما شاهدناه من نوعيات تلك البشر، إلا اننا نطالب الجهات المسؤولة في بلادنا بأن تقوم وبحق بعملية مسح اجتماعي واقصد بها جمع الحقائق عن الظاهرة التي نحن بصددها وذلك عن طريق استخدام المقابلة او دراسة الحال، والهدف من ذلك تغطية الظاهرة المراد بحثها من جميع الجوانب اظهارا لسماتها الشخصية وذلك بهدف الكشف عن عوامل تكوين تلك الظاهرة ومعالجتها. وبالنسبة لعلاج تلك الظاهرة فالأنسب في رأينا وضع تدابير احترازية لمن يضبط بهذا الفعل (التسول) وهي عبارة عن مجموعة من الاجراءات تفرض على من تثبت خطورته على المجتمع لا بقصد إيلامه وإنما بقصد درء هذه الخطورة عن المجتمع وذلك لأن التدبير يواجه الخطورة في الشخص لا الخطأ في الجريمة فهو لا يشير الى معنى التحقير بقدر ما يشير الى معنى الاصلاح او التأهيل او العلاج، وبمعنى آخر يتجه التدبير الى المستقبل، فغرض التدبير الاوحد هو وقاية المجتمع من خطورة الشخص واحتمال ارتكابه اي فعل مستهجن في المستقبل اي تحقيق الامن، اما وسائله فهي مجموعة من الاساليب العلاجية والتهذيبية تستهدف تأهيل ذلك الشخص أو تعجيزه عن ممارسة سلوكه الضار فالتأهيل هو عقد مصالحة بين ذلك الفرد والمجتمع وذلك بعلاجه ان كان مريضا او تهذيبه او تقويمه ان كان منحرفا او تعليمه ان كان عاطلا فيخرج بعد انجاز التدبير متوافقا مع المجتمع مجردا من الحالة التي كان عليها لتكون تلك الاماكن مركزا لاستقبال تلك الحالات تقوم بعمل هذا المسح الاجتماعي فضلا عن وضعها التدابير الملائمة حتى يستطيع الشخص التكيف ويخرج انسانا صالحا مجردا من اي فعل لا اخلاقي. ولعل من الانسب كما يحدث في مصر وضع قانون للتسول حيث يجري العمل في مصر على انه بعد ضبط المتسولين يعرضون على النيابة العامة التي تقوم بعرضهم على مفتش الصحة لبيان ما اذا كانوا قادرين على العمل من عدمه وفي الحالة الأولى يطبق عليهم العقاب، اما اذا تبين عدم قدرتهم على العمل فإنهم يوضعون في إحدى المؤسسات للرعاية الاجتماعية لإخضاعهم لبعض التدابير العلاجية التي تستهدف بالأحرى تقويم سلوكهم حتى يخرج كل منهم من المؤسسة بعد علاجه إنسانا منتجا مستهجنا الفعل الذي ارتكبه.
والله ولي التوفيق،،،
www.riyad-center.com