دائما الصدفة تلعب دورها في الكشف عن العديد من الجرائم خاصة جرائم السطو المسلح والسرقات لاسيما أن كثيرا من المتهمين ومنفذي تلك الجرائم يقودهم ذكاؤهم إلى ارتكاب مثل تلك الجرائم المدبرة، ولكنهم يتناسون أن ذكاءهم قد يخونهم في بعض الأحيان، وهو ما يؤدي إلى كشف جرائمهم – فبداية هذه الجريمة التي أشير عنها في مقالي هذا هي أن احدى الخادمات الأسيويات ألقت بنفسها من الطابق الثالث للشقة التي تقطنها وتم تسجيل قضية انتحار إلا أن تحريات المباحث وأقوال زميلات الآسيوية المنتحرة دلت لرجال المباحث أنهن فوجئن بثلاثة رجال يرتدون الملابس الوطنية على اعتبار أنهم رجال مباحث وبدأوا يسألون عن الأوراق الثبوتية لجميع سكان الشقة غير أن السيدة المنتحرة ولكونها مسجلا بحقها قضية تغيب هربت إلى احدى غرف الشقة خشية إلقاء القبض عليها وألقت بنفسها من النافذة لتلقي حتفها وفور سماع منتحلي رجال المباحث الصراخ فروا هاربين – فضلا أن شاهد عيان تقدم لرجال مباحث أبو حليفة بمعلومات مهمة حول قضية الانتحار حيث ذكر لهم أن سيارة سوداء أدلى برقمها توقفت يوم الحادث وترجل منها 3 أشخاص يرتدون الملابس الوطنية قبل انتحار الآسيوية بعشر دقائق وبجمع تلك التحريات تمكن رجال المباحث من القبض على صاحب السيارة الذي لم يتوان في الاعتراف بأنه ومواطنين آخرين يقومون بانتحال صفة رجال المباحث - وهي القضية التي انفردت بنشرها «الأنباء» بداية الأسبوع الحالي - كما اعترف بأن أفراد العصابة يستعينون بوافد بنغالي كمرشد لهم مهمته تقديم عناوين الشقق التي تقطنها الآسيويات وشقق الدعارة وتصنيع الخمور – ويقدمها لهم ليقوموا بدورهم بدخولها وتفتيشها وسرقة ما بها، وقد تم القبض على المتهمين واعترفوا بسلب أصحاب الشقق أموالهم وهواتفهم النقالة وبطاقاتهم البنكية وبأنهم يقومون باقتسام الغنيمة فيما بينهم – تلك هي الواقعة التي قرأتها وتساءلت هل كان المتهمون على يقين بأنهم لم يضبطوا أو أن ذكاءهم لن يكشفهم؟ الإجابة بالنفي وذلك لأنه ليست كل جريمة تامة بل لابد من أن يترك الجناة ولو شيئا بسيطا يكشف عن شخصيتهم، وقد خانهم ذكاؤهم حيث أن شاهد العيان التقط رقم السيارة التي كانوا بها قبل حادث الانتحار بعشر دقائق وسلمه للمباحث ومن خلاله تم القبض على صاحبها الذي اعترف على أفراد الشبكة – والمثير في هذه الواقعة ان المتهمين ارتكبوا 25 جريمة سرقة بنفس هذا الأسلوب ولم ينكشف أمرهم إلا ان انتحار الخادمة زاد من تفاعل رجال الأمن في سرعة بحثهم عن الدوافع للانتحار وهو ما تكشف لديهم من تحرياتهم وشاهد العيان الذي التقط رقم السيارة وأدلى بها لهم وهو ما جعل اهتمامهم يزيد بالواقعة – ولعل هذه الواقعة تلقي بظلالها القانوني حيث ينتابها عدة نصوص عقابية – فالمتهمون انتحلوا صفة رجال المباحث وهو ما جرمه القانون الجزائي في مادته 231 من قانون الجزاء وافرد له عقابا بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات – فضلا عن دخولهم منازل دون وجه حق ودون رضاء صاحبه قاصدين ارتكاب جريمة وهو الامر المؤثم بالمادة 255 من قانون الجزاء والتي أفرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين – فإذا تم الدخول ليلا تشدد العقوبة بالحبس الذي لا تجاوز مدته 3 سنوات – فضلا عن ارتكابهم جريمة سرقة أموال القاطنين بالشقق التي يدخلونها وهو الامر المؤثم بنص المادة 221 من قانون الجزاء والتي أفرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات – ولما كانت تلك الجرائم قد انتظمها سلوك إجرامي واحد فانه يتعين توقيع عقوبة الجريمة الأشد عملا بالمادة 84/1 من قانون الجزاء وهي الحبس الذي لا تجاوز مدته 3 سنوات – ولا يغيب عن الأذهان وضع المرشد البنغالي بالنسبة لأفراد الشبكة وهو من يمدهم بالمعلومات وعناوين الشقق ومن يتواجد بها فهو شريك بالمساعدة عملا بالمادة 84/ثالثا من قانون الجزاء – ويعاقب بالجريمة المقرر لها متى كانت كيفية تنفيذ الجريمة التي وقعت كانت نتيجة محتملة لأفعال الاشتراك التي ارتكبها عملا بالمادة 53 من قانون الجزاء – وفي نهاية مقالي فإن الجريمة مهما بلغ صاحبها من ذكاء لارتكابها ومهما كانت الوسيلة التي ارتكب من خلالها جريمته فانه لابد أن يترك الجناة ولو خيطا قصيرا يدل عليهم وهو ما تركه الجناة من ارتكابهم جرائمهم باستخدام سيارة تساعدهم للتنقل حيث التقط رقمها أحد شهود العيان وقدمها لرجال المباحث الذين ساروا على هديها وتمكنوا من ضبط الجناة في تلك الواقعة فضلا عن جهود رجال المباحث الذين كان له الأثر بفضل جهودهم في التوصل لمرتكبي الواقعة في أسرع وقت ممكن.
www.riyad-center.com