مقالي الذي أتناوله الآن كما يدل من عنوانه ان الإرهاب المعني للكلمة لا أعني به الإرهاب بمعناه العام من بث الخوف والفزع والرعب، وإنما أعني به الإرهاب الفكري أو بالأحرى السلوكي وهو ارتكاب إحدى الجرائم القانونية المعتادة كالسرقة والسب وغيرها، وهذا الإرهاب السلوكي له وجهه المعتم المقفل، وذلك عند مساسه بحرمات الآخرين وقيمهم المعصومة، وهذا الإرهاب الفكري له أسبابه وأهمها على الإطلاق وجود خلل ما في مسيرة المجتمع وأن هذا الخلل يؤدي إلي إفرازات سلوكية غير منضبطة ويجد هذا السلوك ضالته في الفراغ الذي ينتاب الشباب لأنه مفسدة لهم، وما دعاني لسرد تلك المقدمة المبسطة ما قرأته في احدى الصحف اليومية في بلادنا (جريدة الوطن) بعددها المنشور يوم 31/10/2010 من سقوط صيدلانية بين يدي رجال الجرائم الالكترونية، ومفاد ذلك الخبر أن إحدى الفتيات تقدمت ببلاغ للجهات الأمنية وسطرت في بلاغها أن أحد الأشخاص تمكن من سرقة الايميل الخاص بها بما يحتوي علي صورها، ومن ثم قام بنشر رسائل جنسية وقبيحة توضح أن صاحبة الايميل على استعداد لتلبية اللقاءات الجنسية مقابل مبالغ مالية فضلا عن قيام هذا المجهول بإزعاج تلك الفتاة بأن أرسل مزيدا من الرسائل من مواقع خارج الكويت وباحترافية وتقنية عالية لمنع الوصول إليه، وهو الأمر الذي تسبب في نشر صور مسيئة للفتاة حتى ان أقاربها وأصدقاءها استفسروا منها عن سبب وحقيقة تلك الرسائل المنتشرة التي تخصها، الأمر الذي أدى إلى الإساءة إلى شخصها، وهو ما جعل الفتاة تلوذ بالجهات الأمنية التي أخذت على عاتقها البحث عن ذلك الشخص المجهول والكشف عن شخصيته من خلال خبرتها الالكترونية وبطريقة سرية وأخذت تلك الجهة الأمنية (مباحث الجرائم الالكترونية) مراقبة العديد من المواقع التي تصدر منها تلك الرسائل الخبيثة وكان بعضها مرسلا من داخل الكويت والأخرى من لبنان وأميركا لتوحي بأنها صادرة بالفعل من خارج البلاد، وهو ما جعل مباحث الجرائم الالكترونية تضع طعما لمصدر الرسائل لعدة أيام حتى دخل على الشبكة، وفي ذلك الوقت حوصر ذلك المجهول وتبين أن تلك الرسائل صدرت من احد المستودعات الطبية التابعة لوزارة الصحة في منطقة صبحان، وهو ما دفع إدارة المباحث الالكترونية إلى إرسال عدد من الفنيين إلي المستودعات للتعرف على أماكن وجود أجهزة الكمبيوتر ومستخدميها، وفي نفس الوقت تم إرسال كتاب رسمي لوزارة الصحة للرد على استفسار المباحث بشأن اسم مستخدم أحد المواقع في المستودعات وبعد أسبوع من دخول المجهول على الشبكة بناء على الطعم المرسل من المباحث الالكترونية وقع ذلك المجهول في الفخ، حيث كانت المفاجأة لهم فإن ذلك الشخص المجهول تبين أنه فتاة تعمل صيدلانية في وزارة الصحة وبمواجهتها بالتحريات انكشف أمرها، وبتكثيف التحريات عليها تبين أنها سبق أن قامت بسرقة 12 ايميلا مع صور لأشخاص لا تعرفهم لتقوم بتشويه سمعتهم والتحرش بهم، وتم التحقيق مع تلك الصيدلانية في مباحث الجرائم الالكترونية وسمح لها بالخروج للعودة مرة أخرى لاستكمال التحقيق إلا أنها فرت وغادرت البلاد فتم التعميم عليها وإدراجها ضمن قائمة المطلوبين في المنافذ وبعد أيام عادت للبلاد وتم القبض عليها واقتيادها الى المباحث لاستكمال التحقيقات معها. تلك هي الواقعة التي ما ان فرغت من قراءتها حتى شعرت بحزن مما بدر من تلك الصيدلانية التي يفترض فيها العلم بما تفعله، وأن ما فعلته يشكل جريمة يعاقب عليها القانون وتساءلت ما سبب ذلك الفعل الإجرامي؟ هل هو الفراغ الفكري أم التلذذ والتلاعب بحياء الناس وأعراضهم؟ لا شك أن كلا الأمرين هو الصحيح فضلا عن قلة الوازع الديني والأخلاقي لهذه الصيدلانية، فقد وهمت في أول الأمر أن ذكاءها وخبثها قد لا ينكشف إلا أن تفوق رجال مباحث الجرائم الالكترونية على ذكائها ودسهم الطعم لها جعلها تقع في شرك الجريمة، بل والأدهى من ذلك طلبها إبداء الأسف للشاكية إلا أن الأخيرة رفضت ذلك لمساس ما فعلته الصيدلانية بسمعتها فضلا عن التشهير بها، والمنظار القانوني لهذه الواقعة يلقي بظلاله، حيث ان الصيدلانية ارتكبت عدة جرائم انتظمها سلوكا إجراميا واحدا ـ فمن ناحية أولى قيامها بارتكاب واقعة سرقة الايميل الخاص بالفتاة الشاكية، وهو ما يشكل معه جنحة السرقة المؤثمة بالمادة 217 من قانون الجزاء والتي افرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين عملا بالمادة 219 من قانون الجزاء ـ فضلا عما ارتكبته من انتحالها صفة الفتاة وان الموقع خاص بها وهو الأمر المعاقب عليه بالمادة 231 من قانون الجزاء والمعاقب عليه بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات ـ فضلا عن إساءتها استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية المؤثمة بالقانون 9 لسنة 2001 وذلك في مادتها رقم 1 مكرر فقرة الثالثة والمساس بالأعراض وهي التي افرد لها المشرع عقوبة الحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات فضلا عن مصادرة الأجهزة ووسائل الاتصالات التي استخدمت في الجريمة.