مازال مسلسل الإهمال الطبي يتواصل، ووصل إلى ذروته في مستشفيات وزارة الصحة التي يفترض فيها أنها تبذل العناية اللازمة للمحافظة على المريض بدلا من تفشي الإهمال والأخطاء الطبية فيها حتى وصل الى إزهاق أرواح المواطنين، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يعقل أن يتم التلاعب بأرواح المواطنين والتساهل مع من يرتكب الأخطاء الطبية القاتلة؟ الإجابة المقنعة هي غياب الرقابة عن تلك الأخطاء الطبية من قبل لجان التفتيش والمتابعة التابعة لوزارة الصحة وكأن أرواح المواطنين ليس لها ثمن أو قيمة، ولعل ما دفعني لسرد تلك المقدمة ما قرأته في احدى الجرائد «جريدة الشاهد» بعددها الصادر يوم 22/11/2010 عن أن احدى المواطنات ذهبت على قدميها إلى مستشفى العدان الأسبوع الماضي لإجراء عملية «لوز» وبسبب خطأ طبي من قبل الأطباء توفيت ونقلت من المستشفى إلى المقبرة مباشرة، وتساءلت: ألهذا الحد وصل الأمر بأن أصبحت الأخطاء الطبية القاتلة عادية في دولتنا؟ ومن يرتكبها لا يجد من يحاسبه ويردعه؟ فكم من الأخطاء الطبية تم حفظها؟
وكم عدد الملفات التي أغلقت دون عقاب حتى أصبح الخطأ الطبي القاتل موضوعا عاديا جدا؟ بل أن هناك معلومات عن التستر على بعض الحالات لبعض الأطباء دون اتخاذ أي إجراءات وهذا نتيجة لتردي الخدمات الصحية في البلاد وعدم وجود الكوادر الطبية المؤهلة، فالأمر الآن بحاجة إلى محاسبة ومساءلة، وأؤكد أن الأخطاء الطبية البشرية موجودة في جميع دول العالم ولكنها ضمن النسب المعتادة وذلك لوجود المحاسبة والعقاب لكل مخطئ، لدرجة أن هناك دولا ومستشفيات في العالم تفصل الأطباء المخطئين وتجبرهم على دفع غرامات مالية باهظة حتى تكون رادعا لهم لعدم تكرار الأخطاء حتى البسيطة منها، والمنظور القانوني لهذه الواقعة يفرض نفسه، فالقانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري جاء في مادته رقم (4) «أنه يجب على كل طبيب رخص له بمزاولة مهنة الطب أن يتوخى في أداء عمله المحافظة على صحة الإنسان، وعليه أن يسخر كل معلوماته لبلوغ هذا الهدف» ومع ذلك يكون مسؤولا كما جاء بالمادة (13/أ) من ذات القانون إذا ارتكب خطأ نتيجة الجهل بأمور فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها، ووضع القانون في مادته (39) عقابا تأديبي بنصه على «انه مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجزائية تختص لجنة التراخيص الطبية بالمحاكمة التأديبية للمرخص لهم بممارسة مهنة الطب وذلك فيما يرتكبونه من مخالفات لأحكام هذا القانون»، أما عن الجزاء الجنائي فالقاعدة ان مسؤولية الجراح تثور إذا ثبت أنه لم يؤد عمله الجراحي بالمهارة التي تقتضيها مهنته فهو مسؤول عن كل خطأ يصدر منه ولا يشترط أن يكون الخطأ الطبي جسيما بل يكفي ألا يكون الطبيب قد قام بما ينبغي عليه من عناية تمليها الظروف المحيطة به، لذلك فهناك حالات يبدو فيها خطأ الطبيب واضحا، والأمثلة على ذلك كثيرة، إلا أنه وفي كل الأحوال خطأ ذلك الطبيب الذي اجرى عملية اللوز للفتاة والتي أودت بحياتها سيكون تحت بصر المحكمة ناظرة الدعوى وذلك بعد انتداب الطب الشرعي لبيان وجه الخطأ الطبي في العملية الجراحية، وإذا ثبت وجود ذلك الخطأ فإننا نكون بصدد جنحة القتل الخطأ عملا بالمادة 154 من قانون الجزاء والتي افرد لها المشرع عقوبة الحبس مدة لا تجاوز الـ 3 سنوات فضلا عن العقوبات التأديبية التي ستوقع على الطبيب المخطئ عملا بالقانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب الشرعي والتي قد تصل إلى الغاء ترخيصه بمزاولة المهنة وذلك حسب درجة الخطأ الواقع من الطبيب الجراح، إلا اننا نأتي لنقطة أخرى عن مدى مسؤولية مستشفى العدان عن ذلك الخطأ الطبي، فلا شك أن مستشفى العدان مستشفى حكومي تابع لوزارة الصحة والطبيب موظف لدى الوزارة (الحكومة) وهذا يعني أن للمستشفى سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه لوجود رابطة التبعية بينهما وهذا يعني مسؤولية المستشفى (الحكومة) مع الطبيب في مواجهة ورثة الفتاة المتوفاة عملا بالمادة 240 من القانون المدني، فإذا ثبت خطأ الطبيب الجراح استحق العقاب الجزائي فضلا عن رجوع الورثة على المستشفى العام (أي الحكومة) والطبيب بالتعويض اللازم طبقا لرابط التبعية بينهما.
وفي نهاية هذا المقال يجب التحقيق العاجل في هذه المهزلة الطبية التي بدأت تستفحل في البلاد والتي سببها الإهمال الطبي وعدم وجود الكوادر الطبية المؤهلة التأهيل العلمي الكافي وكأن حياة البشر لا قيمة لها ولتتحمل وزارة الصحة، ممثلة في وزيرها، ومسؤوليتها عن هذه الأخطاء الطبية البشرية من أطبائها، وليتحملوا هم المسؤولية الكاملة نتيجة هذا الجرم الطبي الفاضح الذي كثر نتيجة غياب الرقابة الفاعلة والرادعة وخلو الوزارة من لجان التحقيق والمتابعة والرقابة على المستشفيات حتى اننا لم نسمع أو نشاهد تحقيقا اجري او تمت محاسبة مخطئ من الأطباء لخطأ ارتكب وكأن أعمار المواطنين وحياتهم لا قيمة لها، رغم علم سيادة الوزير بازدياد ظاهرة الأخطاء الطبية.
www.riyad-center.com