تناولت في مقالي الذي نشرته جريدة «الأنباء» بعددها الصادر يوم 9/12/2010 موضوع الرقية الشرعية، وقلت انه بدأت تضرب البلاد في الآونة الاخيرة فتاوى تجيز اللجوء الى السحرة والعلاج بالسحر، وبالطبع مثل هذه الفتاوى غير جائزة شرعا، وبالتالي لا يجوز اتخاذ مثل هذه الفتاوى المحرمة، كعذر لأي كان للجوء الى السحرة او المشعوذين، ويجب على وزارة الاوقاف التصدي لمثل هذه الفتاوى والتحذير منها، وذكرت في مقالي ايضا ان الرقية الشرعية اختلط فيها الآن الحابل بالنابل والحق بالباطل، حيث بدأ البعض يستغلها للتدليس على الناس من الدجالين فاسدي العقل والدين، وكان لهؤلاء الدجالين دور رئيسي في الخلل والانحراف الذي اصاب الانسان وجعله يصدقهم في كل المظاهر التي يستخدمونها من سحر وكهانة وعرافة، وما دعاني لهذا السرد انني فوجئت وانا اشاهد احد البرامج على قناة فضائية استضاف شخصا يدعي انه معالج بالقرآن والسنة، وذكر الضيف اشياء غير قابلة للتصديق ولست هنا في محاولة للخوض فيها، الا انه، وبحسب ادعائه، قال ان الله منحه القدرة على تشخيص المصاب بالسحر والمس، وانه يستطيع رؤية الجان بأشكاله المختلفة وطرده خلال ساعة في وقت يستغرق فيه آخرون شهرا، واستهل هذا الشخص حديثه بأن يطرد الجان باستعمال عصا، وايضا الضرب والسب واللعن، وان هذا الاسلوب ـ بحسب سرده خلال البرنامج ـ اثبت فاعليته مع كثير من الذين يتوافدون عليه من مختلف الدول، ولم يكتف الضيف بذلك بل اسمعنا تسجيلا صوتيا اثناء محاولته طرد الجان من بعض المصابين بالمس، ودهشت من تلك المهاترات والاكاذيب التي اوردها الضيف، وتساءلت: هل هدفه بث الجهل في نفوس شعبنا، واشاعة الاكاذيب ام توعيتهم ضد هذا الجهل واتخاذ الوسائل الشرعية للعلاج بالقرآن فضلا عن العلاج الطبي؟! لأنه اورد امورا لا يصدقها عقل، وهل كان الضيف يدور بخلده ان حديثه عبر البرنامج سيجد صداه لدى شعبنا؟ بالتأكيد ان الاجابة بالنفي، لأن شعبنا ينبذ الخرافات والبدع ويحارب الدجالين ومفسدي العقل، واستضاف البرنامج احد علماء الدين المتخصصين الذي رد على ادعاءات الضيف بالحجج العلمية والشرعية، ووصف حديثه بالهذيان، وانه لا علاقة له بدراسة القرآن والسنة، وبالقطع فإن حديث رجل الدين الذي ناظره عبر جهاز التلفاز لم يعجب الضيف الذي نهض من مقعده وبدأ يكيل الشتائم والسباب للداعية الديني على مرأى ومسمع من المشاهدين الذين يشاهدون البرنامج، ولم يبال ولم يكتف بذلك بل شتم المذيعة التي استضافته وكشف زيفه ودجله نقداً عندما قام بسب القناة «بأنها قناة لا تستحي» رغم ان القناة استضافته وقدمته للجمهور، وقدمت خلال برنامجها وجهتي نظر للضيف ولرجل الدين الذي رد عليه، والمنظار القانوني لهذه الواقعة يلقي بظلاله على تلك المهزلة التي شاهدتها عبر التلفاز، فالضيف خرج عن وعيه وبث غضبه على القناة التي استضافته بأنها «قناة لا تستحي»، فضلا عن تعديه بالسب العلني على الداعية الاسلامي ورجل الدين الذي ناظره ووصفه بأنه «قليل الادب، لعنة الله عليك»، وهو ما جرمه قانون الجزاء الكويتي في مادته 209 والتي افرد لها المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين، ولا يغيب عن الاذهان ما اتى به القانون رقم 61 لسنة 2007 بشأن الاعلام المرئي والمسموع بتجريم كل من يحرض على مخالفة النظام العام او القوانين او المساس بكرامة الاشخاص ومعتقداتهم الدينية، وهو ما فعله الضيف من بثه احاديث تعج بالمخالفة للنظام العام، فضلا عن مساسه بكرامة الداعية الاسلامي الذي ناظره ومس بمعتقداته الدينية، وهو الامر المجرم بنص المادة 11 فقرة 11، 6 من القانون سالف الذكر والتي افرد لها المشرع عقوبة الغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف دينار، وفي نهاية مقالي لابد من الاشادة بقناة «الوطن» والتي تعد من ضمن القنوات الجريئة في كشفها لزيف ودجل المحتالين وذلك من خلال مناقشة الضيف الذي بث سمومه في مجتمعنا من دجل وهذيان، بل كشفت تلك القناة للرأي العام والمجتمع الكويتي من خلال المناظرة زيف وادعاءات الضيف، وهو ما يجعلنا نوجه التحية والتقدير لهذه القناة، ونرجو ان تزداد تلك القنوات في مجتمعنا لمعالجة العطب الفكري الذي طغى عليه والعمل على بث روح الفضيلة فيه وذلك من خلال تلك البرامج الهادفة، لاسيما ان شعبنا معروف بتقاليده وقيمه وعاداته واخلاقه والتي تربينا عليها وستظل باقية امد الدهر.
www.riyad-center.com