لا أحد مع مخالفة القانون، لكن هناك ضحايا كثيرين لهذه المخالفات، فمع تواصل الحرب على العمالة الهامشية ومخالفي قانون الإقامة والعمل في بلادنا لابد أن نتواصل في هذا المجال وقبل ذلك لابد أن نتساءل سؤالا: من الجاني في هذه القضية؟ فالمشهد يراه الجميع، باستثناء قيادات وزارة الداخلية على الرغم من تكراره يوميا وبالطبع في أماكن محددة وفي العديد من المناطق، فهؤلاء الجناة من تجار الإقامة ومن يبيعون تلك الإقامة وكذلك مخالفي الإقامة أصبحوا منتشرين في بلادنا ولا تخلو الأرصفة فجرا كل صباح منهم حتى أصبحوا يشكلون خطرا على كثير من المارة في الطريق وعلى أولادنا اثناء ذهابهم للمدارس فلكل إشراقه فجر لا البرد القارس يمنعهم ولا ملاحقة رجال الأمن والجهات الأخرى تخفيهم فهم يبحثون عن لقمة عيشهم وعندما تقف مع أحدهم وتسأله ما الذي دعاك لهذا ولماذا لا تذهب إلى بلدك؟ يجيبك في حزن وأسى انه وقع ضحية تجار الإقامة وباع كل ما يملك ليدفعه لكفيله لكي يعمل له إقامة حتى يستطيع العمل بالبلاد ثم تبين له ان كفيله وهمي ويقول له (دبر حالك).
لذلك فإن هذه القضية تستحق تسليط الضوء عليها وفتح ملفها مرارا وتكرارا للبحث عن حل لها ولإبداء الرأي القانوني فيها لعل من يعرف يقرأ ويكتب من هؤلاء العمال أن يعلم ما فعله من جرم عندما ترك وطنه وأهله وأتى إلى البلاد للعمل والكسب ولكنه وقع ضحية النصب والتدليس من جانب تجار الإقامة الوهمية وأصبح بلا عمل أو مأوى.
ولابد من الإشارة إلى أن القانون الجزائي لا يعرف التعاطف ويطبق بحذافيره على الجميع دون تمييز ولا تفريق، لذا فإن القبض على العمالة الهامشية أمر لا مفر منه سواء عن طريق الدوريات الأمنية التابعة للإدارة العامة لشرطة النجدة أو مديريات الأمن أو المباحث الجنائية فضلا عن مباحث الهجرة ومفتشي وزارة الشؤون.
وإذا كان رجال الأمن يعرفون أن غالبية هؤلاء العمال هم ضحايا تجار الإقامات لكن هناك قانونا لابد أن يطبق بعيدا عن العواطف والسبب في القبض عليهم هو حماية لهم وذلك لأن العدد الأكبر من هؤلاء العمال خالفوا قانون الإقامة والعمل في البلاد، لذا لزم الأمر ترحليهم حتى لا يتحولوا إلى مجرمين بحكم ما يعانونه من ظروف قاسية تتمثل في عدم حصولهم على عمل مناسب فضلا عن عدم وجود مأوى لهم الأمر الذي يدفعهم للجريمة للحصول على المال، ولعل من الأنسب أن نبين الموقف القانوني لموضوعي تجار الإقامة بالبشر والعمالة الهامشية وذلك على ضوء قانون الجـزاء والقوانين المنظمة لهذه المواضيع، فالمرسوم الأميري رقم 17 لسنه 1959 بقانون إقامة الأجانب، فالمادة (9) نصت على أن أي أجنبي يريد الإقامة في الكويت أن يحصل من رئيس دوائر الشرطة والأمن العام على ترخيص بالإقامة.
وأفرد المشرع في هذا القانون في مادته 24 مكررا (أ) عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من سهل لأي أجنبي الحصول على تصريح إقامة بالبلاد لقاء حصوله على مال ولاشك أن جميع الإقامات مع هذه العمالة الهامشية نتيجة دفعهم أموالا حتى يحصلوا على إقامات في البلاد وهو الأمر المحظور بنص المادة سالفة الذكر وهذا الحكم هو المناط أعماله على تاجر الإقامة فضلا عما جرمه قانون الجزاء بالنسبة له من عقاب بنص المادتين 231، 232 من قانون الجزاء لأنه أوهم هذه العمالة الهامشية بأنه في استطاعته اعطاءهم إقامات بالبلاد على خلاف الحقيقة ولعلمه بأن هذا محظور وهو ما يستحق معه عقابا على تلك الأفعال لممارسته أفعال التدليس والحيل على هؤلاء العمال واستطاع الحصول منهم على أموالهم وهو ما أفرد له المشرع الجزائي عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات فضلا عن معاقبة القانون للعامل في مادته 24 مكررا (أ) فقرة (2) بالحبس مدة لا تزيد عن سنة لحصوله على التصريح بالإقامة لقاء تقديمه المال.
أما عن هذه العمالة الهامشية فلا شك أنهم وقعوا ضحية النصب والاحتيال عليهم إلا أن هناك إجراءات لابد من اتخاذها ضدهم وهو إبعادهم عن البلاد عملا بما جاء بالمادة 16 من قانون 17 لسنة 1959 الخاص بإقامة الأجانب وذلك لأن وجودهم بالبلاد كان استنادا لأسباب غير مشروعة فضلا عن أن دخولهم البلاد كان بطريق غير مشروع الأمر الذي يستدعي معه المصلحة العامة للبلاد بإبعادهم عنها ونشير الى نقطة أخرى جوهرية في هذا الموضوع وهي أن الأجنبي كما سلف القول إقامته بالبلاد غير مشروعة لدفع مبالغ للحصول عليها فهنا يأتي هذا الأجنبي للبلاد باحثا عن مأوى له فالقانون عالج هذه المسألة بأن قرر في مادته 12 مكررا بأن يحظر وهنا الحظر نهائيا ووجوبيا: على أي شخص إيواء أو أسكان أو استخدم أي أجنبي تكون إقامته بالبلاد غير مشروعة، ولم يكتف المشرع بذلك بل جرم ذلك في مادته 24 فقرة 5 بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر كل من يخالف حكم المادة 12 مكررا. ونأتي لنقطة أخرى بأن مخالفة الأجنبي لقانون الإقامة ووجوده في البلاد بعد انتهاء إقامته يعرضه لعقوبة المادة 24 فقرة 3 بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إلا أنه رأفة من المشرع ارتأى أنه يجوز قبول الصلح من العامل الذي يخالف حكم المادة 12 وهي انتهاء إقامته بأن يدفع مبلغ دينارين عن كل يوم تأخير على أن يدفع مبلغ الصلح في مقر إدارة شؤون الهجرة بالمحافظة المختصة خلال عشرة أيام من إعلان العامل بالمخالفة.
ويترتب على دفع مبلغ الصلح انقضاء الدعوى الجزائية وجميع آثارها على أن ذلك الأمر جوازي لمدير الإدارة العامة لشؤون حيث ان رفض دفع مبلغ الصلح وذلك إذا رأى طول مدة المخالفة وسلوك العامل طيلتها بأن أرتكب عدة جرائم وكان معتاد المشاجرات والمشاحنات وهذا كله يرجع لتقدير الإدارة العامة لشؤون الهجر، وفي النهاية لابد من فرض هيبة القانون على الجميع وأن يطبق وذلك حتى نبعد عن البلاد وجود أشخاص غير مرغوبين وهنا وجب الضرب وبقوة على يد من يسعون في الأرض فسادا لجمع المال الحرام من العمال البسطاء خاصة بعض المتنفذين والسياسيين والمتلاعبين بعشرات الملفات التي تحتوي على مئات من العمالة المتروكة والمنصوب عليها، فضلا عن ضرورة تدخل المشرع سواء في قانون الإقامة أو قانون الجزاء بتغليظ العقاب على مرتكبي تجارة الإقامة حتى يعلم كل من تسول له نفسه مخالفة هذا القانون أن هناك قانونا شديدا مغلظا سيعاقبه على فعله، فضلا عن ضرورة ملاحقة هؤلاء العمال الهامشيون في البلاد ووضع حدا لهم سواء بإبعادها عن البلاد أو محاولة الحصول لهم على عمل للارتزاق لاسيما أن الوضع أصبح في بلدنا يهدد بأسوأ العواقب في ظل ازدياد أعدادهم مما أدى إلى انتشار الجريمة في بلادنا سواء الاخلاقية والسلوكية أو جرائم العنف.
www.riyad-center.com