لا أريد أن أبدأ كما بدأت جريدة «الأنباء» بعبارة «كل شيء بالواسطة يمشي» وإنما أردت أن تكون البداية أن فساد الأخلاق الوظيفي أو فساد الضمير إن دب في أداة الحكم أو تسرب إلى الأعمال العامة كان الداء الذي يظهر كيان الإدارة ويهدد بأسوأ العواقب ومن ثم لا يجزئ في دفع خطرها غير الجزاء الجنائي الرادع، ذلك أن إفساد الأعمال الوظيفية لا يقتصر على الاتجار بها وإنما يكون في الاستغلال من حولها والتوصل إلى العطايا الملوثة عن طريقها وهذا ما عناه قانون الجزاء الكويتي وقد يقول من يقرأ هذه الأسطر: ما سبب سردها؟.. أقول له ان الجرائم المرتكبة في مجتمعنا بدأت تأخذ منحنى ومغزى آخر وهو طريقة ارتكابها وذلك عن طريق ارتكاب الموظفين العاملين في مواقع لهذه الجرائم لا لشيء سوى الكسب الحرام ولعلي لا أجد سببا مبررا لارتكابها سوى التربح منها واستغلالها، وارتكابه لها ربما يولد لديه الاعتقاد بأن ذكاءه في ارتكابها ربما لا يوقعه لكنه نسي أن الجريمة مهما بلغ الإتقان فيها فلابد أن يترك من ارتكبها أو شارك فيها خيطا بسيطا يوقعه فيها وهذا ما حدث في واقعتنا التي تعد من أغرب القضايا التي تضبط في تاريخ مباحث الهجرة فقد تناولت جريدة «الأنباء» في عددها الصادر 11/2/2011 أن معلومات وردت لمباحث الهجرة تفيد بكشف حالة تجديد إقامة لوافد خارج البلاد الأمر الذي أدى الى استغراب ودهشة رجال مباحث الهجرة فعمدوا لجمع التحريات واثبتت التحريات أن من سعى للمعاملة وقام بها هو شقيق صاحب الجواز فتم استدعاؤه وبالتحقيق معه فاجأ رجال المباحث بالحقيقة حيث روى لهم أن شقيقه خارج البلاد ومسجون في بلده على ذمة قضية جنائية ولخوف شقيقه من أن تسقط إقامته أو تلغى اتصل به من السجن وأرسل له جواز سفره مع أحد الأشخاص وطلب منه الاتصال بأحد الأشخاص وأعطاه رقم هاتفه وأوضح شقيق صاحب الجواز أنه اتصل بالشخص صاحب الهاتف وتقابل معه وقدم له جواز سفر شقيقه ومبلغا من المال وبعد يومين اتصل به وأخبره بتجديد إقامة شقيقه لمدة عامين وأعطاه جوازه، ولم يقدم الوافد للمباحث أي تفاصيل عن الشخص الذي جدد إقامة شقيقه سوى أنه يتحدث باللهجة الكويتية وأنه كان يتحلى بالملابس الوطنية ومازال البحث والتحري جاريا لكشف من قام بعمل تجديد الإقامة، بعد قراءتي لتلك الواقعة لم أكن أتخيل أن الجريمة بدأت تتطور وتأخذ أشكالا أخرى ولكنني ومن خلال هذه الواقعة تأكد لي مصداقية ما يذكره البعض عن وجود فساد ورشاوى ومحسوبيات في تمشية العشرات من المعاملات، ورغم ان هذه الحادثة فردية إلا ان لها دلالات غاية في الخطورة وهي ان هناك فسادا واختراقا لهذا الجهاز الأمني، بالإضافة الى اختلاف وتزايد وتناقضات ودخول أجناس افتقدت الضمير الأخلاقي ليس وحدها بل بمساعدة موظفين عاملين بمواقع حساسة ببلادنا ولا لشيء سوى لمزيد من الكسب الحرام، وتناسى هذا الموظف أن إجرامه سوف يكشف في يوم ما لأن الخالق سبحانه وتعالى لا يرضيه الفساد في الأرض والسعي إلى خرابها وهو ما حدث بكشف إجرامه ما هي الا أيام ويضبطون هذا الموظف الفاسد الذي لابد أن يقتلع من أعمال وظيفته ويكون مكانه الطبيعي داخل السجن ليكمل باقي حياته به، والمنظار القانوني لهذه الواقعة الغريبة تفرضه عدة نصوص قانونية فالواضح أن صاحب الجواز لم يتقدم لتجديد إقامته في الميعاد الأمر الذي يخالف المادة 12 من القانون 1959 بقانون إقامة الأجانب والذي رصد له المشرع عقوبة لا تزيد على ثلاثة أشهر عملا بالمادة 24/3 من القانون 17 لسنة 1959 بشأن الإقامة فضلا عن اشتراكه مع شقيقه في تزوير محرر رسمي تجديد إقامته بالبلاد لاسيما أنه محبوس ببلده على ذمة تنفيذ الأمر الذي جرمه المشرع الجزاء بالمواد 48/2، 49، 258 من قانون الجزاء والتي رصد لها المشرع عقوبة السجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات هذا هو إجرام طالب تجديد الإقامة (المحبوس ببلدته) فضلا عن إجرام شقيقه الذي سلم جواز سفره للشخص الذي جدده فضلا عن إجرام الموظف العام الذي تلقى عطية للإخلال بواجبات وظيفته وتربحه من جرائمه من جرائها وهو الأمر الذي رصد له المشرع الجزائي عقوبة السجن الذي لا تجاوز مدته عشر سنوات عملا بالمادتين 35 من قانون 31 لسنة 1970 بتعديل بنص أحكام قانون الجزاء والمادة 12 من القانون 1 لسنة 1992 بشأن حماية الأموال العامة فضلا عن اشتراكه في تزوير محرر رسمي هو طلب تجديد الإقامة والمؤثمة بالمادة 258 من قانون الجزاء مع شقيق صاحب الجواز.
ولا يفوتنا أننا أمام تعدد للجرائم الأمر الذي يوقع على طالب تجديد الإقامة وشقيقه عقوبة الجريمة الأشد وهي عقوبة الاشتراك في تقديم عطية للموظف والتي رصد المشرع الكويتي لها عقوبة السجن مدة لا تجاوز عشر سنوات فضلا عن إبعادهما عن البلاد عملا بالمادة 79/2 من قانون الجزاء لارتكابه جناية مخلة بالشرف والاعتبار، وفي نهاية مقالي أشير إلى أنه لابد من محاربة الفساد في جميع قطاعات الدولة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه من الموظفين العبث بالوظيفة العامة واتخاذها مجالا للربح او التكسب أيا كان على حسابها وهذا يقتضي جهدا من القائمين على الوظيفية العامة باختيار أنسب العناصر التي تمثل تلك الوظيفة للقيام بأعمالها ولا يسعني إلا أن أثنى على جهد رجال مباحث الهجرة في كشفها لتلك الجريمة الغريبة وجمع خيوطها وذلك حتى يقتلع الشر من جذوره وتعاد للوظيفة العامة هيبتها.
والله ولي التوفيق،،،
www.riyad-center.com