التقدم العلمي يتدخل الآن في مجال قانوننا الجزائي يوما بعد يوم وبات استخدام ذلك التقدم واجبا على المشرع الجزائي لاسيما في مجال تنفيذ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، لذا برزت في الآونة الأخيرة طريقة من طرق المعاملة العقابية سميت «المراقبة الإلكترونية» وهي تعني أن يلزم المتهم بالإقامة في منزله خلال ساعات محددة على أن تتم متابعة ذلك عن طريق ما يسمى بـ «المراقبة الإلكترونية» ويتم ذلك من الناحية العملية بأن يوضع جهاز يشبه الساعة في معصم يد المتهم وهذا الجهاز يتصل بجهاز كمبيوتر موضوع في المؤسسة العقابية القائمة على التنفيذ، وفي حالة ما أن تجاوز المتهم الحدود المسموح له فيها بالتحرك داخل منزله يقوم الجهاز المثبت بمعصم يده بإرسال إشارات للجهة القائمة على التنفيذ الأمر الذي يدل تلك الجهة على أن المتهم أخل بالالتزام الملقى على عاتقه وهو عدم التحرك للمساحة المسموح له بها في منزله وهذه الوسيلة تفترض صدور حكم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة لا تتجاوز مدتها عاما، ويثور تساؤل هام: هل وسيلة المراقبة الإلكترونية تصلح على كل المتهمين الصادرة بشأنهم عقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة أم تسري على فئة معينة من المتهمين تتوافر لديهم القدرة على الاندماج مع المجتمع؟ لا شك أن هذه الوسيلة لا تطبق إلا على المتهمين الذين لهم القدرة على الإصلاح والتكيف مع المجتمع كما هو الحال بالنسبة لمتعاطي المواد الكحولية ومدمني المواد المخدرة وبهذه الوسيلة نكون قد جعلنا العلاقة مباشرة بين الإدارة العقابية والمتهم وينتفي وجود حارس على المتهم، ويثور تساؤل آخر: هل نحن بصدد سلب الحرية عندما نطبق تلك الوسيلة من وسائل التنفيذ والمعالجة؟ الإجابة تكمن في أن العقوبات السالبة للحرية تتمثل عموما في حرمان المتهم من حرية الحركة والتنقل إلا في إطار المؤسسة العقابية التي يقضي فيها عقوبته، فسلب الحرية لا يعني أن تقيده في المؤسسة العقابية وإنما له حرية الحركة فإذا أمكننا الوصول إلى ذلك فليس ما يمنع أن نقول اننا بصدد عقوبة سالبة للحرية لأن هذه العقوبة لا يشترط لتحققها أن يكون تطبيقها في مكان معين، وإنما يمكن أن تتحقق في أي مكان وبأي وسيلة تقود لنفس النتيجة، ولا شك أن المراقبة الالكترونية لها ذات الأثر، ويثور تساؤل آخر: هل المراقبة الإلكترونية كوسيلة حديثة من وسائل التنفيذ للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة تخل بمبدأ المساواة بين المتهمين؟ بمعنى أن الفقير الذي لا يملك محلا للإقامة وليس قادرا على تدبير مصدر للرزق وليس لديه القدرة على دفع تكاليف تلك المراقبة لن يخضع لهذه الطريقة، نقول ان المراقبة الالكترونية ليست هي البديل الوحيد لسلب الحرية بل ان هناك بدائل أخرى لعل أهمها الغرامة، وهنا يعني أنه إذا اتضح للجهة القائمة على تنفيذ العقوبات أن طريقة المراقبة الالكترونية لا تصلح مع المتهم فانه يمكن أن تطبق عليه وسيلة أخرى إذا اتضح أنه أهل لذلك، كذلك فقد ترى السلطة القائمة على التنفيذ أن المتهم تتوافر فيه الشروط التي استلزمها المشرع لتطبق هذا النوع عليه من الوسائل أعني «المراقبة الالكترونية» لكن لا توقع عليه إذن فالأمر يتعلق بنظام يترك تطبيقه للجهة المختصة على النحو الذي يقتضيه الصالح العام للمجتمع وهذا يعني أنه ليس هناك إخلال بقاعدة المساواة بينهم أمام العقوبة، لذا فان المراقبة الإلكترونية تعد من وسائل التقدم العلمي والتكنولوجي في مجتمعنا فضلا على أنها لا تخل بمبدأ المساواة بين المتهمين وذلك تبعا للسلطة التقديرية للجهة القائمة على التنفيذ فضلا عن ضرورة أن يحذو المشرع الكويتي حذو باقي التشريعات الحديثة في الأخذ بهذا النظام الفريد.
www.riyad-center.com