في منظومة التنمية، والعمل والانجاز، تتوزع النتائج والثمرات لتعم كافة المجالات الانتاجية والتجارية والرياضية والفكرية، فتكون بالتالي محصلة التنمية هي تطور نوعي وكيفي وكمي للمجتمع ككل، بكل أطيافه وبكل نشاطاته، لأنه لا يمكن تجزئة مسألة النمو والتطور والتنمية، فالكل مرتبط. فتطوير التعليم مثلا، ينعكس على الاستيعاب والتحصيل ويساهم في تطوير الأجيال لتؤدي أدوارها في النهضة بالمجتمع، فيكون الأكل متوازنا والأداء الرياضي مرتفعا، والنفسية العامة للمجتمع متفائلة، فالطبيعة الانسانية تتأسس على الطموح والارتقاء. لكن في ظل وجود شرط أساسي وهو نهضة مجتمعية واضحة، لذلك فعلاقة اصدار التشريعات أو بناء الجسور والمصانع أو تجديد المناهج، هي علاقة تابع بمتبوع في ظل نجاح المشاريع، تنجح المجالات الأخرى المرتبطة بها، والأهم هو أن القيمة الانسانية الوطنية تشعر أكثر بالفخر والحماسة، وتتأثر ولو بشكل فردي بالمساهمة في بناء هذا الوطن، كما يؤكد المحللون السياسيون وعلماء الاجتماع، أن الاستقرار يؤدي الى التنمية، وليس المقصود هنا بالضرورة الاستقرار الأمني، بل ينصرف ذلك الى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فالكويت حتى الأمس القريب، كانت حلبة لصراع عدة طوائف سياسية، تنشط موسميا مع اقتراب الاستحقاقات النيابية، فلم يكن موضوع المنافسة هو البرامج الانتخابية أو الوعود الواقعية، بل كان لكل اتجاه حصيلته في نقد وشتم وتخوين الأطراف الأخرى، وكأن كل طائفة تملك الحقيقة المطلقة وحدها في عشقها للبلد، فصرنا ولأول مرة في تاريخ الكويت نسمع عن ثنائيات: بدو ـ حضر، سنة ـ شيعة، ليبرالي ـ سلفي، رجعي ـ تقدمي، داخل السورـ خارج السور، فصارت بالتالي المواسم الانتخابية، مواسم للذم والقذف وكأننا في نسخة قبيحة من صراع الشعراء في سوق عكاظ.
أما الاقتصاد فلايزال كما هو منذ الاستقلال، يعتمد على تصدير البترول واستيراد كافة الحاجيات، بدون البحث عن موارد أخرى موازية تخفف الضغط على النفط، وذلك بالرغم من وجود خطة أميرية واضحة، تهدف الى تحويل الكويت الى مركز مالي ووسيط تجاري، لكن تفعيلها من طرف الحكومة والبرلمان بقي حبيس الأفكار والتمنيات، فليس بالتمنيات تبنى الأوطان.
وهل يجب أن ننتظر أزمات حتى نبحث عن بديل؟ وهل نزول سعر البرميل سيدفعنا للحديث عن الترشيد واختيار المهم من الأهم؟ فأين البدائل الاستراتيجية، وأين الخطط الاستعجالية؟ فهل من ضروري حرمان الناس من مكاسبهم لمعالجة عجز الحكومة في التعامل مع الأزمة؟ فكيف يكون لنا برنامج تنمية ونحن نفتقر الى برنامج أزمة؟ وخصوصا ونحن نعتمد على مصدر وحيد يخضع للأسعار الدولية في البيع.
وفي التعليم تصرف الآلاف على مخرجات عقيمة، وفي البيئة تنشط الجمعيات والهيئات لتحارب تلوثا موجودا، وكأنها تعيد حياكة صراع الدون كيشوت مع طواحين الهواء في رائعة السيرفانطيس، وفي الرياضة تتخبط الروئ وتتعدد الحلول، وتنهار الآمال، وتسود الانتكاسة، وتتألم النفسية، حتى صرنا ننهزم بالخمسة، من فريق جار ومتواضع، وليس أمام فرق أوروبا، والتي لو لاعبتنا باحتياطها الثالث، لهزمتنا بأسطول أهداف.
والقطاعات الأخرى كذلك لامستها احباطات وانكسارات، وكما قلنا فالتنمية عندما تسري في شرايين الأوطان تنعكس على المجالات والقطاعات ككل، وعندما تكون فقط شعارات رنانة وكلمة تمتحن بها الحناجر، نرى هزائم وسقطات وتشاؤما من المستقبل القريب والبعيد.