هناك نظرية اقتصادية قديمة، صاغها العالم «ادم سميث» مفادها أن الناس يتزايدون بمتتالية حسابية والغداء يتزايد بمتتالية هندسية، أي ان السكان يتزايدون بسرعة تفوق الموارد المعيشية اللازمة لبقائهم، وهو ما دفع آنذاك الدول الغربية للدخول في مرحلة تاريخية جديدة قوامها الاستعمار بغية فتح أسواق جديدة لاستيراد منتجاتها ولتفادي الحروب الأهلية وصراع البقاء.
وعلى الرغم من أن هذه النظرية تم تجاوزها حاليا، فهي تحمل من الصحة الكثير من الدلالات، ولنعكس الأمر على بلدنا، فنحن لا نمتلك صناعة تحويلية ولا مجالا سياحيا قويا يستطيع أن يدر الدخل، بل اعتمادنا الكلي على ما يجود به باطن الأرض من بترول، وهو من الطاقات الحيوية لكن غير القابلة للتجديد، كما أنه يخضع لعملية العرض والطلب، فبعد ما كان سعر البرميل يتجاوز 120 دولارا أصبح اليوم دون الـ 35، والمفترض أن تكون هناك خطط جاهزة للتعامل مع حالات الانخفاض الحاد في سعر البترول، خصوصا أنه أمر متوقع يمكن استنتاجه بدراسة حالة السوق والأوضاع الاقتصادية والسياسية بالعالم، وصعود الأسواق الناشئة، أو ركود الإنتاج العالمي وتأثيره على استغلال الطاقة.
ففي وقت كان ينتظر فيه أن تقدم الحكومة حلولا عملية لمسألة انهيار أسعار النفط، إما عن طريق فتح استثمارات آنية في قطاعات أخرى منتجة عبر العالم تضمن على الأقل توازنا للميزان الاقتصادي والدخل، فقد عمدت إلى مناقشة تجميد التنمية وإيقاف بعض المشاريع، ومناقشة إقرار ضريبة وتخفيض ميزانية القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة ووقف الاعتماد على العمالة الوافدة، وغيرها من الحلول المرقعة والتي لن تأتي بنتيجة متوخاة.
فالاقتصاد الذي يعتمد على تصدير البترول واستيراد المواد الاستهلاكية محكوم عليه بالغوص رهينا بتقلبات الأسعار الدولية وأزماتها ومضارباتها. لذلك فأي حل مرتبط بالمساس بالدخل الوطني للفرد لن يساهم إلا في تأجيج الشارع الكويتي، وأي إقرار لضرائب مجحفة لن يساهم الا في تكالب الأمور وتعقدها، ورفع الدعم عن المنتجات الاستهلاكية لن يسهم الا في تضاعف مداخيل التجار، فإن كان سعر البترول مرهونا بتقلبات الأسعار الدولية، فما ذنب المواطن البسيط والموظف والعامل بأن يتحمل مسؤولية غياب إستراتيجية حكومية لإدارة الأزمات، فالكل اليوم يحاول التنصل من مسؤولياته أمام انخفاض سعر البرميل، وبدلا من تقديم حلول ورؤى شفافة وعملية، يتم البحث في جيوب المواطنين عن موازنة العجز في وقت مازال هناك المئات من المتعيشين والمتلاعبين بالمال العام.
ولنا في البلدان الشقيقة عبرة لتجاوز الأزمة إن أردنا عدم تكرار مثل هذه الهفوات، فتجربة دبي جعلت البلد في غني عن الاعتماد على الطاقات غير المتجددة. وإن كانت رؤية صاحب السمو الأمير حفظه الله ورعاه هي استشراف قوي للمستقبل عندما دعي إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي ووسيط تجاري. فتطبيقها يبقى رهينا بإرادة حكومية واضحة، بدل البحث عن تقليص آثار الأزمة. والله ولي التوفيق.