لا يختلف اثنان حول قوة مصدر شباب الوطن، فهو المحرك الذي سيدفع بعجلة التنمية، وهو أساس كل نهضة مرتقبة، وكما هو معلوم فالرأسمال البشري هو القيمة الكبيرة للوطن وما بين طموح الشباب والخبرة توجد مسافة عنوانها التخبط والتدهور والانكماش.
ليس المقصود بهذا التقديم تسليط الضوء على العلاقة الجدلية ما بين التنمية والشباب، بل فقط للتنبيه حول دور الخبرة والحكمة في تسيير بعض القطاعات الحساسة ولاسيما النقابية منها، ومناسبة هذا الحديث المقتضب هو انتخابات جمعية المحامين الكويتية، وهي ليست كأي انتخابات اخرى، فجمعية المحامين الكويتية تنفرد في عزفها المنفرد، فمختلف الدول العربية تتمركز فيها اكثر من نقابة للمحامين كما يشترط في الترشيح للرئاسة ان يكون المحامي قد امضى في الممارسة الفعلية للمهنة 25 سنة فما فوق يكون خلالها قد اكتسب اصول المهنة ومضامينها وأسسها سواء في التسيير والإدارة وفي الدفاع عن مصالح اعضائها أمام الادارة وغيرها من الخصوم المحتملين، لذلك فرؤساء النقابات المهنية للمحامين في مختلف الدول العربية وحتى الأوروبية لهم من الخبرة في الممارسة الباع الطويل، ويحظون بتقدير وتكريم في الاوساط القانونية والقضائية، وتجدهم كذلك ممثلين في مختلف المجالات الحساسة مثل لجان التشريع الحكومية او تعديل القوانين، وكذلك اللجان العليا للتعديلات الدستورية الكبرى، ومن جهة اخرى نجدهم هم الجدار والحصن الاول للدفاع عن مكتسبات الوطن في مجالات الحقوق والحريات امام المنظمات الدولية والجمعيات المعنية بإنقاذ القوانين، فهم الوحيدون الذين يتلمسون معاناة المواطنين ويتجندون للدفاع عنه امام المحاكم، لذلك فلا غرابة ان نجد لويس السادس عشر ملك فرنسا يردد أنه «لو لم اكن ملكا لوددت ان اكون محاميا»، وبالمقابل فالوضع في جمعية المحامين الكويتية يتميز بالتفرد والغرابة، فاذا اعتبرنا أن وجود جمعية واحدة للدفاع عن مصالح المحامين هو ربما امر فرضته الظرفية القانونية والاجتماعية والسياسية، فالغريب ان الترشيح للرئاسة لا يعير لمسألة الخبرة أدنى أهمية، على الرغم من انها المعيار الوحيد الذي يؤسس لنجاح النقابة من عدمه، فالمادة 42 من ميثاق الشرف لتقاليد وآداب مهنة المحاماة تنص على انه «يشترط فيمن يرشح نفسه لمجلس الادارة ان يكون عضوا له حق حضور الجمعية العمومية، ومقيدا بجدول المحامين المقبولين للمرافعة امام محكمة الاستئناف وعلى من يرشح نفسه تقديم طلب موقع منه الى أمين سر الجمعية وذلك قبل موعد الانتخابات بمدة ثلاثة ايام على الأقل، وكل طلب يصل بعد هذا الميعاد يعتبر كأن لم يكن»، فالمادة هذه وضعت في القانون في ظرف تاريخي اتسم بقلة المحامين الكويتيين، لذلك فبعد خمس سنوات من الممارسة فقط يمكن للمحامي ان يتولى رئاسة الجمعية، ما يستوجب تعديلها، مع فصل انتخابات الرئيس عن الأعضاء، فالرئيس يجب أن ينتخب مباشرة من أعضاء الجمعية العمومية، وبالاقتراع المباشر، كما هو معمول به في أغلب دول العالم.
وهذا هو السبب الرئيسي لهبوط مستوى الجمعية وخضوعها الآن للحسابات القبلية والطائفية، حيث انه مع حلول موعد الانتخابات تجري كل قبيلة فرعيتها وتختار مرشحيها، وإجمالي هؤلاء المرشحين يشكلون القوائم التي ستخوض الانتخابات، وطبعا كل هذا يجري بحسابات نفعية، أهمها التفاهم على منصب الرئيس والمناصب الرئيسية الأخرى.
وطبعا هذا الأمر يترتب عليه ابتعاد الأساتذة الكبار والمشهورين بالمهنة، من أصحاب الخبرة والعلم، عن الدخول في تلك المهاترات مع كثرة وجود الشباب والشابات الجدد، حيث يستقر الوضع للشباب فيما بينهم، لأنه وان كانت جموع المحامين تريد أصحاب الخبرة، فإمكانية توفير خمسة مرشحين مع الرئيس ليدعموه في مقعد الرئاسة، يعتبر من الصعب بمكان إن لم يكن مستحيلا.
وقد ترتب على ذلك كله تحول الجمعية كما أسلفنا الذكر الى مركز لتدريب المحامين الشباب على العمل النقابي.
لهذا فالأمل الوحيد المتبقي هو أن يتدخل المشرع المجلس أو الحكومة لإنقاذ مهنة القضاء الواقف التي بلا شك تنعكس طرديا على القضاء خصوصا والعدالة بصفة عامة. وخصوصا أن وزير العدل هو محام عايش هموم المهنة وآمالها وتطلعاتها، ويعرف الكثير عن الجمعية!
وكذلك الامر لرئيس اللجنة التشريعية بمجلس الأمة.. وغيرهم الكثيرون من المحامين الأعضاء المتواجدين اليوم في المجلس ولديهم الفرصة التاريخية بتعديل وضع مهنهم من خلال سن تشريع يحولها الى نقابة ويفصل انتخابات النقيب عن باقي الاعضاء لأن هذا هو سر نجاح المهنة وكما هو معمول به في اغلب دول العالم.
ونحن من خلال هذا التوضيح لا نرمي الى التنقيص من كفاءات الشباب وقدرتهم القوية على تولي المسؤولية، بل لإجلاء الغشاوة من اهمية الخبرة في تسيير صرح مثل جمعية المحامين الكويتي والتي للأسف حاليا صارت حلبة لتدريب الشباب في مجال العمل النقابي وربما تهيئتهم الى ولوج مجالات اخرى ربما لن يكون آخرها الترشيح لتمثيل المواطنين في مجلس الامة.والله من وراء القصد.