يأيها النائمون على جثث الصغار، حلب تحترق، تباد، وجثث الاطفال ملأت الأزقة والطرقات، أيها العالم المتحضر والسائر في طريق النمو، إن ما يحدث اليوم هو أكبر فضيحة أخلاقية وإنسانية لا يعادلها في الفظاعة سوى غزو المغول للعراق في القرون الماضية، لا شيء يعلو على نحيب الجروح والموت، برك من الدماء وجثث مشوهة ومشاف تغض بالجرحى، وأطباء ألفوا البكاء لهول المصاب الجلل، والعالم ينظر ولم تهزه صورة فتاة تعانق دميتها وسط الدمار وحيدة بعدما قتل أفراد عائلتها، ولا صورة شيخ كهل لم يستجد أحد، بل رفع أكفه ليشتكي لقاضي السماء. العالم اصبح دمه باردا الى حد الفصام، والإنسانية التي تتبجح بها الحضارة الغربية لم تعد سوى شماعة تستعمل ضد الشعوب المتهالكة، على الارجح انه يجب أن يسعى العقلاء ليس الى تغيير المفاهيم والأنظمة وإنما لزراعة مصل الرأفة والإنسانية المفقودة في عصر لا يعترف الا بالتحالفات ذات الأثر الاستراتيجي أو الاقتصادي ولو كان بالقتل والتدمير. العالم لا يجيد أخذ العبر والمواعظ ولا يعي الدروس السابقة فيما وقع في البوسنة والهرسك ورواندا وكمبوديا من عمليات ابادة جماعية، وبعدما قدم ضمانات عن طريق انشاء محكمة العدل الدولية وأرسى اتفاقيات دولية متعددة الاطراف لمنع تكرار تلك الجرائم، هانحن اليوم نرى خيانة وتقاعس المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته التاريخية والقانونية والأخلاقية. للأسف روسيا وسورية وحلفاؤهما يرتكبون مجازر ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي حرمتها اتفاقيات جنيف الاربع والبروتوكولات الملحقة بها، وحرمتها اتفاقيات حقوق الانسان كالإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات التي انتهك حرمتها العدوان الروسي والاسدي على الشعب السوري، فالذي يحدث هو حرب بالوكالة على الأرض السورية ما بين روسيا وأمريكا ومن والاهم في التوجه، فالأسد لا يملك القرار مثلما لا يملك قلبا.
والحرب على الإرهاب هي مبرر من لا مبرر له، فبأي سلطة تملك النفوس قتل الابرياء، والدعوة هنا الى حل سياسي هو نوع من العبث والضحك على الذقون، فبعد كل هذه المجازر والمآسي لم يعد هناك مجال للمحادثات السلمية في قاموس الضحايا والأيتام والثكالى. وربما ما يحدث في سورية هو رسالة خفية من ادارة بوتين الى ادارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بأن روسيا ما زالت سيدة قرارها، على الرغم من الحصار الاقتصادي والعقوبات، وفي ظل ذلك وحتى كتابة هذه السطور لاتزال المعركة قائمة من طرف واحد ضد الشعب الأعزل، ولا أمل في حل مرتقب. ولأن الإنسانية تحرك عواطفنا الراكدة عرفت الكويت يوم الأربعاء وقفة احتجاج امام السفارة الروسية للتنديد بالوحشية والهمجية والبربرية ضد الابرياء، شارك في تلك الوقفة كل اطياف الشعب وخرجوا على الرغم من برودة الطقس للتأكيد على ان الانسانية مازال لها موطن في الكويت. وإن كانت هذه الوقفة الرمزية تثلج الصدور، فهي ليست ذات أثر في ظل السكوت المتواطئ للمجتمع الدولي.