بعد الضجة الإعلامية والسياسية التي صاحبت وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، والتخوفات التي حملتها وأسهب المحللون في ترجمتها وفق معيار الموازنات الدولية، ومصالح الولايات المتحدة الأميركية، وأساليب محاربة الإرهاب وموقف الرئيس الجديد من القضايا الدولية الملتهبة كالصراع في الشرق الأوسط وإيران وكوريا الشمالية والقضية الفلسطينية وغيرها من الأمور والقضايا التي أسهمت الولايات المتحدة الأميركية في إدارتها، فكان التخوف هو سيد الموقف خصوصا من الدول العربية والإسلامية والجاليات المسلمة والعربية والمكسيكية المقيمة بأميركا حيث كان خطاب دونالد ترامب الانتخابي مباشرا وبعيدا عن الأصول الديبلوماسية، فكان شديدا في مسألة محاربة الإرهاب والشأن الداخلي في التقليل من الجاليات المهاجرة، وإنشاء حائط حدودي ما بين أميركا والمكسيك، وكلها مؤشرات جعلت العالم يتخوف من إدارة حكمه وتأثيرها على المنتظم الدولي، وقد تعززت تلك الظنون والمخاوف عندما اصدر مرسوما بمنع دخول رعايا ومواطني بعض الدول العربية والإسلامية للأراضي الأميركية، لكن ذلك لم يستمر طويلا حيث اتضحت الرؤية، فتم التراجع عن ذلك المرسوم وتلاشت مخاوف الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية، كما مثلت الضربة التي وجهها دونالد ترامب للنظام السوري وتدميره لمطار استراتيجي جد مهم نتيجة المجازر التي ارتكبها النظام السوري واستعماله الكيماوي ضد الشعب، كان هذا الموقف بمنزلة الحركة السياسية والعسكرية الجريئة التي جعلت من شعبية ترامب ترتفع لدى الدول العربية والإسلامية، اذا كان موقفه يحمل العديد من الدلالات الانسانية والحنكة السياسية التي جعلته يتخذ موقفا ذكيا ولا ينصاع لتبريرات النظام الأسدي في محاربته للإرهاب.
ويتأكد موقف ادارة ترامب تجاه العالم الاسلامي بأنه كان مبالغا فيه أثناء الحملة الانتخابية وما بعدها، حيث روج لخطاب ترهيبي لكن واقع العمل والعلاقات يؤكد غير ذلك، إذ ان أول زيارة لدونالد ترامب خارجيا ستكون للمملكة العربية السعودية يوم 23 مايو 2017 وهي زيارة تحمل دلالات عميقة وقوية جدا، فهذه الزيارة هي بمنزلة امتنان وتقدير من أميركا لدور المملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب والدور المحوري الذي تلعبه على المستويين الإقليمي والدولي في استتباب الأمن والسلم العالمي، واعتراف بدور الديبلوماسية السعودية التي أصبحت تلعب أدوارا طلائعية ومفصلية داخل المنتظم الدولي، هذا بالإضافة إلى كون المملكة تحمل بين أضلعها الهم الاسلامي العالمي وتحظى باحترام وتقدير كل دول العالم ويتمركز فيها العمق الاسلامي للكعبة المشرفة كدلالة رمزية لمعتقدات المسلمين، كما أنها دولة قوية ولها تأثير إقليمي واسع وخلال الزيارة سيناقش ترامب مع القيادة السعودية عدة بنود، أهمها إيجاد حل طويل الأمد للتطرف واتخاذ إجراءات إضافية لوقف تمويل المنظمات المسلحة، ومواجهة تأثير ايران وتنظيم الدولة وزيادة التعاون الأمني بين دول الشرق الأوسط.
ولعل هذه الزيارة تعكس على الأقل حاليا التوافق العام ما بين أميركا والسعودية في أمور مصيرية يعيشها العالم وتؤثر عليه سلبيا، وفي انتظار ما ستسفر عنه تلك الزيارة من نتائج ومشاورات تبقى المملكة رائدة برجالها وحكامها وسياساتها.