سعد الحرمل
ابنتي سارة طفلة عمرها خمس سنوات، اصطحبها عمها خالد (اخوي يعني) معه في نهاية الأسبوع إلى البحر، وهناك على الشاطئ خلعت نعليها وراحت تلهو مع الأطفال.
في المساء اتصلت بي أمها (يعني زوجتي) لتخبرني بأن سارة لا تستطيع النوم لوجود جسم غريب في قدمها، ذهبت إلى سارة وحاولت جهدي أن اخرج ما بقدمها إلا أنني لم أتمكن لصغر حجم الجسم والذي بدا لي وكأنه شظى زجاجة وأيضا لشدة خوف سارة وكثرة بكائها، عندها طلبت من زوجتي أن تضع بصلة مشوية على قدم سارة وتربطها وتجعلها تنام، كما هو الحال حين كنا أطفالا، وفي الصباح يكون الجسم قد بانت معالمه أو خرج تقريبا، عندها شهقت أم فهد ونظرت إليّ بدهشة قائلة لا تجرب خزعبلاتك في ابنتي واذهب بها إلى الطبيب، كانت الساعة الحادية عشرة مساء يوم الجمعة، وبما أنني حازم و(كلمتي ماتنزلش الأرض بس المرة دي معلهش) امتثلت على الفور وأخذت سارة إلى مستوصف الفروانية، لأننا في منطقة العمرية ملتزمون مع وزارة الصحة بعقد به شرط جزائي وهو ألا نمرض أو نتعرض لأي طارئ صحي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وإلا وقعنا في المحظور وطبقت علينا الوزارة ذلك الشرط بدفع غرامة مالية كبيرة، وعليه فإن مستوصف العمرية لا يعمل في نهاية الأسبوع.
بعد أن وصلنا الدور في مستوصف الفروانية وبعد أن فحص الطبيب قدم سارة اعتذر مني وطلب أن أتوجه لمستشفى الفروانية قسم الجراحة لأنهم لا يملكون ملقطا صغير الحجم في مستوصف الفروانية كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة وأربعين دقيقة، فقلت له لماذا لا أضع بصلة مشوية يا دكتور وتنتهي المسألة فرد علي قائلا: (معلهش عشان خاطري روح دلوقتي قبل الزحمة ما تكتر).
وفعلا انطلقت لمستشفى الفروانية وبعد أن أخذت التذكرة كان رقمها 20 في حين كانت اللوحة الالكترونية تشير إلى رقم 7 وبعد أن دخلنا على الطبيب المعالج وفحص قدم سارة وأخبرته بالقصة كاملة طلب مني أن أتوجه إلى قسم العظام، وعندما سألته مستفسرا عن السبب وأن الموضوع لا يستدعي ذلك أجابني أنه يجب أن يعمل لها أشعة ويراها طبيب العظام (شنو ممكن يكون في إشي جواتها) قلت له: لا تكبرها يا دكتور فبرأيي أن بصلة مشوية كفيلة بالموضوع، عندها ضحك وقال لي: (الله يخلي لي شواربك بس منشان خاطري وديها العظام).
وبما أنه قد دعا لشواربي، ذهبت إلى العظام وبعد أن وصلنا الدور ورآها دكتور العظام وأخبرته بقصتنا كاملة ضحك رغم الإجهاد، لكونه الوحيد المناوب، وقال لي (معلهش استحملنا برضه لأنه حنكتب لك تحويل عشان تروح لمستشفى الرازي) ومن هول الصدمة انفجرت ضاحكا ثم سألته وماذا تفعلون انتم؟ فأجابني بأنهم ليس لديهم المعدات اللازمة كما أنهم أيضا لا يملكون ملقطا صغيرا، انتابني إحساس غريب وشعرت لوهلة أني قد أكون في السودان أو جنوب أفريقيا، فقلت له: طيب ماذا لو وضعت على قدمها بصلة مشوية أنهتنا من تلك المأساة فرد عليّ: (خلاص هانت عشان خاطري اطلع بيها للرازي).
عشان خاطرك يا دكتور، وفعلا اتجهت لمستشفى الرازي وفي الطريق سألتني سارة متذمرة: شنو هذا ليش يا بابا ثلاث مرات؟ رافعة الوسطى والخنصر والبنصر من أصابعها البريئة، حاولت عبثا الإجابة على سؤالها البريء فقلت لها: لأن الحكومة تفتقر لوجود برامج تنمية وخطط مستقبلية واضحة، والمواطن يقع في آخر أولوياتها.
نظرت إليّ بتعجب بعد أن عدلت نظارتها بإصبع السبابة وسألتني: يعني شنو يا بابا ؟! فأخبرتها بأني أمزح معها.
وصلنا لمستشفى الرازي قرابة الساعة الواحدة والنصف فجرا، توجهنا لشباك التذاكر لأجد حارس الأمن هو الذي يقوم باستقبال المراجعين بعد أن تم تدريبه على ذلك من قبل موظف الصحة الذي اختفى، ورغم قلة المراجعين وقتها إلا انه كان هناك فوضى، حيث لا يعلم المراجع إلى أين يتجه.
دخلنا إلى إحدى الغرف عشوائيا وبعد أن فحصها الطبيب أرسلنا إلى غرفة العلاج وبعد قرابة ربع ساعة بكت خلالها سارة كثيرا تمكن الطبيب من استخراج الجسم الغريب من قدمها ليتضح لنا في نهاية الأمر أنه عظمة صغيرة لسمكة كانت ملقاة على الشاطئ.
ربطت قدم سارة برباط ضاغط ووصف لها الطبيب دواء لمنع التسمم، توجهت إلى مكتب الاستقبال أسأله عن العيادة، فطلب مني أن أتوجه إلى مستشفى الصباح لأصرف الدواء، كنت قد تعودت على الصدمات في تلك الليلة فلم يكن مني سوى التوجه وصرف الدواء ومن ثم التوجه إلى البيت بعد أن جاوزت الساعة الثانية صباحا.
بذمتكم مو بصلة مشوية اصرف من هذا كله، ومنا إلى وزير الصحة الجديد علي البراك لإدراج تلك الوصفة في وزارة الصحة.