ليلة 12 أكتوبر 1990 ـ وهي الليلة التي سبقت مؤتمر جدة الذي عقد برئاسة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد طيب الله ثراه ـ كنت في مطار جدة مع الاخ الفاضل عزيز الديحاني سفيرنا الحالي في سورية بانتظار وصول المغفور له بإذن الله وليد خالد المرزوق قادما من القاهرة للمشاركة في المؤتمر بصفته رئيسا لتحرير جريدة «الأنباء» التي عاودت الصدور من القاهرة.
في الفترة التي اعقبت الاحتلال العراقي الاثيم وحتى صدور «الأنباء» وقتذاك كان تواصلي مع المغفور له واخت الرجال بيبي خالد المرزوق عبر الهاتف. فهو رحمه الله منهمك في القاهرة بصدور الصحيفة وأنا وأسرتي نبحث عن مكان نستقر فيه قبل ان اشرع في العمل مراسلا للصحيفة من الرياض. وما ان استقرت احوالي العائلية حتى بادرت بالاتصال به من جديد وأبلغته رحمه الله باستعدادي الآن للعمل. وجدته سبقني بخطوات. فقد اعد خطابا الى وكالة الانباء السعودية (حي الناصرية في الرياض) يتمنى على المسؤولين فيها ان يوفروا لي المكان المناسب للانطلاق وقاموا مشكورين بتوجيه من مديرها العام د.بدر الكريم بإعداد موقع خاص داخل الوكالة يتضمن خطي هاتف وفاكس دوليين للعمل. ووجدته رحمه الله جهز خطابا آخر (لا زلت احتفظ بنسخة منه) الى الصحف السعودية اليومية يعلن فيها عن عودة صدور «الأنباء» وامكانية التواصل عبر مكتب الرياض.
في جدة واثناء انتظارنا سألت الاخ الديحاني كيف تتوقع ان نجد نفسية المغفور له بعد الاحتلال فرد من فوره ان المغفور له يستطيع التغلب على المحن فالولد سر أبيه لا يستسلم ولا ينهزم عند النزال. صافحناه بعد الوصول (وكان بمعيته ضمن العائدين في الطائرة المغفور له صديقه الحميم الامير احمد بن سلمان بن عبدالعزيز نجل أمير الرياض) فكان كالطود يسأل عن اخبار اللجان التحضيرية للمؤتمر ولم يتأفف ويتبرم من الحال، بل كان التفاؤل هو ديدنه.
في بداية حرب التحرير طلب مني الاستعداد لدخول الكويت ضمن قوات التحالف، وتمكنا بفضل الله من الدخول فكانت «الأنباء» أول صحيفة عربية تدخل الكويت المحررة، وذلك موثق بالنشر.
سبحانه مقدر الآجال فكما فرح بإعلان حرب التحرير في 17 يناير 1991 ها هو اليوم يغادر هذه الدنيا في اليوم ذاته بأمره سبحانه وتعالى. فالأيام قدرها الله سبحانه ولا راد لقضاء الله فلكل أجل كتاب.
للمغفور له قلب مليء بالعاطفة كقلب طفل يتفطر عند أي موقف انساني. ومن صاحبه غفر الله له في السفر يعرف جيدا هذا الشعور الذي يملأ ذلك القلب الجميل. ففي احدى مشاركاته (والحادثة عرفتها من خارج دائرته) ضمن الوفد الاعلامي مع سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد طيب الله ثراه في زيارته الى نيويورك بعد التحرير رافق سموه عدد من أبناء الشهداء لتقديمهم الى العالم وتذكيرهم ببطولات آبائهم.
وهناك (نيويورك) وفي غفلة من الوفد تمكن المغفور له وليد من اصطحاب ابناء الشهداء في جولة ترفيهية داخل المدينة ليعودوا محملين بالهدايا والالعاب. اكتشف الأمر سمو الامير الراحل وأسرها في نفسه الى حين عودة الوفد للكويت. وفي اول لقاء لسموه رحمه الله مع العم خالد المرزوق ـ أطال الله في عمره ـ كشف له ما قام به نجله الوليد رحمه الله تجاه ابناء الشهداء وأثنى على تلك البادرة الانسانية للمغفور له بإذن الله تعالى.
أسأل الله القدير أن يرحم الفقيد وليد خالد المرزوق ويوسع له في مدخله ويغسله من الذنوب والخطايا كما يغسل الثوب الابيض من الدنس ويباعد بينه وبين خطاياه كما باعد بين المشرق والمغرب.