صالح النغيمش
كـــان لتـــصريحات الـــنائب أحمد لاري يوم الجمعة الماضي الأثر الكبير والخطير في الوقت نفسه حيث قال ان هناك 3 حلول رئيسية للأزمة الاقتصادية على طاولة اللجنة البرلمانية: أولها محفظة شراء الأصول وثانيها شراء قروض الأفراد والشركات وآخرها صندوق الاستقرار السياسي، مضيفا في تفاصيل حديثه: لابد من الاسراع في اتخاذ هذه الحلول خلال اسبوعين والا ستقع الكارثة! ونحن نقول ان هذه الحلول كانت مطروحة منذ خمس سنوات ولم ترق للبعض وكأن المقترضين تحديدا سيشفطون الخزينة العامة للدولة وهذا غير صحيح، فهم الذين يحركون الاقتصاد بطرق شتى فقد تم تبني هذا الموضوع من قبل النواب د.ضيف الله بورمية وعبدالله راعي الفحماء وسعدون حماد، وثم هذا التصريح لمقرر اللجنة المالية النائب أحمد لاري.
ان المطالبات المتلاحقة لعدد من النواب ما هي الا محاولات صادقة لتخفيف العبء عن المواطن، لأن الدولة دون استقرار مواطنيها هي دولة آيلة للسقوط، والمقترح الحالي الذي سيدرج على طاولة أعضاء مجلس الأمة في الأيام المقبلة من قبل النائب الفاضل سعدون حماد ما هو الا شعور صادق وصرخة على قدر الألم القائم، فالجميع اتفق على ان الهلاك يجرنا يوما تلو الآخر الى دهاليز الهاوية المرة، ولو عدنا الى ما قاله النائب احمد لاري فسنجد الشجاعة الكبيرة في اعترافه الضمني بأن تصويته السابق الخاص بالقروض كان غير موفق وكان زملاؤه على صواب بهذا الاتجاه والإنسان يخطئ ويصيب وهو ليس ممن يرون أنفسهم دائما على صواب، اعترف بذلك دون أي مزايدة ونحن نحييه على شجاعته الفذة ولا ننسى أيضا انسحاب مرزوق الغانم من الاجتماع الأخير للجنة المالية احتجاجا على عدم تقديم الحكومة لأي حلول صادقة وصريحة، فاحتجاجه هذا احساس بتدهور الاقتصاد والانحدار المستمر له، ولو بحثنا عن تفاصيل هذا التدهور سنرى ان المتضرر الرئيسي والمباشر هو المواطن البسيط وصغار المستثمرين الذين «أبرقت لهم الليتات» و«تكروتوا» في البورصة ومن ثم تم سحقهم.
لم تعد الأجواء تشجع على المواصلة في الاستثمار، فالتاجر يعلم جيدا ان المستثمر الصغير بدأ بسحب أمواله لسد ثغرات احتياجاته الملحة نتيجة القروض المتراكمة عليه والارتفاع المستمر في أسعار السلع الغذائية التي تحتاجها عائلته ناهيك عن الجفاف الاقتصادي الذي تخلقه الحكومة بطريقة أو بأخرى وما على التاجر الحوت في هذا الاتجاه الا قصم ظهر تلك السمكة الصغيرة أو ابتلاعها والسمكة الصغيرة هنا هي المستثمر الصغير الذي اقترض وتدحرج والتف على ذاته ليكون (مع الرودس) فيصبح بذلك غطاء شرعي للكبار في حالة خسارتهم فهم الدرع الواقية للشركات الكبرى ورجال الأعمال لأن المستثمرين الصغار هم في الواقع «خردة» متى ما تم تجميعها أصبحت أموالا طائلة ولكن متى ما سحقت هذه «الخردة» ستسحق الجبابرة وسيأتي بذلك أثره على الدولة ومن ثم سيصرخ الجميع مناديا بالإصلاح وها هو يأتي هذا الصراخ المدوي لإصلاح الوضع الاقتصادي لأن المجاملة والالتفاف لن يفيدان كثيرا، والدولة بمفهومها الأساسي هي الشعب وعندما يطحن الشعب فذلك يساهم مساهمة مباشرة في تفتيت الدولة وعندما ينتقد البعض اسقاط القروض أو الحلول المشابهة لذلك عن المواطنين البسطاء فلا يعتقد بأنه يدافع عن المال العام أو يأتي بمادة من الدستور ليست لها علاقة بهذا الخصوص ويعوّل عليها كثيرا، انه أمر لابد من تجاوزه وهذا هو كلاكيت ثالث مرة للنواب وعامة الشعب أيضا بل هو اختبار من نوع آخر للحكومة والنواب في آن واحد فهل سيصلحون الاقتصاد من كل جوانبه أم من جانب واحد لتكون العملية انتقائية لإصلاح جزء وترك آخر لنرى بعدها المشية العرجاء كمشية البطة! ان لم نصلح الوضع بشكل كامل فلن نحرك ساكنا «وكأنك يا بوزيد ما غزيت»، واذكر انني قلت هذا الكلام قبل ثلاث سنوات وها انا أردده وأراهن عليه وأتحدى كبار الاقتصاديين بالدولة مع أنني ليس لي علاقة بالاقتصاد لا من قريب ولا من بعيد لكنني أعرف جيدا بالطابع السكيولوجي لطبيعة الانسان وتعاطيه مع هذه الحالات والانعكاسات السلبية والايجابية وأقيسها قياسات منطقية في أجزاء الحياة العامة، من الطبيعي ان يعيش الانسان بجسده ويموت اذا اصيب هذا الجسد اصابة قاتلة فالروح لا تبقى وحدها وبالقدر نفسه من الوضوح هناك مساحة تتجاوز جسد الانسان ولكن لا تقل أهمية بالنسبة لحياته!
لا أريد أن أعرج على أي شيء آخر يضيع خط سيرنا فنحن هنا لابد ان ننتبه لطقوس المجتمع وهل هو راض عما تقدمه الحكومة أو النواب المتمثلون أو المعنيون بتفاصيل الاقتصاد بالدولة؟ باعتقادي ليس كذلك لأن الجميع تركوا الحبل على «القارب» أو تركوا الحبل لأصحاب «القارب» ليعملوا ما يعملون به!
ان حقيقة التدهور الحاصل غير قابلة للتبديل او التنوع، والعمل على حل شيء وترك شيء آخر جريمة بحق الدولة لأن الحل الجزئي غير مقبول اطلاقا من الناحية العملية الا اذا كان الغرض تنفيع جهة على حساب أخرى وهذا ما لا يتمناه أحد لأن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، لذا لابد ان يتحرك الجميع لمساعدة الجميع والارتقاء بالدولة مرة أخرى من جميع النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية والفكرية ولا نصبّ جل تفكيرنا على الناحية الاقتصادية ونترك الأجزاء المتبقية بالدولة.