صالح الشايجي
لبنان ـ المشـروع لا الوطن ـ هو أكثر المشـاريع عرضـة للتغييب، والـغريب هو وجوده واستـمراره حتى الآن وان لحقه بعض عمليات تبـشيعية، غيرت شيئا ما ديكوره الخارجي أما باطنه فما زال كما هو.
لبنان ـ المشروع ـ هو باختصـار رسول الحضارة الغـربية والمدنيـة والعصـرية إلى المشرق العـربي، وهو البلد الوحـيـد الذي لـم يتلوث بداء «النضـال» و«الكفاح» و«الاسـتقـلال التام أو الموت الزؤام»! وان كان هذا لا يعني خلـوه من ساحة الشـهداء التي علق فيها الأتراك العثمانيون أحرار لبنان وأبطاله، وكذلك فان هذا لا ينفي وجـود كتلة وطنية حـققت استـقلال بلادها بوعي وحكمة ودون خطابات هزازة رنانة.
ابتدأ لبنـان «الاستقـلال حضاريا»، أعراف غلبت الدسـتـور ونصـوصه، تـوزعت المناصب العليـا في البلاد، رئيس منتـخب، برلمان، دستور، ديموقـراطية حقيـقية لا شكلية وأحزاب. هو اسـتبطن الحداثة في عصـر التخلف، وأبصر في وقت لم يختـرع الآخرون عيونهم بعد!
صار مصدرا إشعاعيا «حداثيا» أسموه «سويسرا الشرق» وصدقوا، وان تميـز على «سويسرا» الأصلية بالرقة والنعومة والمسحـة الشرقية وعواطف الشرق! صـحافـة. . طبـاعة. . أناقة. . أزياء. . مطبخ، صـار هو الأشهر أو الأوحد، فحيثـما تحل تجد مطعما لبنانيا في أي صقع من أصقاع الأرض! امتاز بالخـدمات وبالفن والشعـر والحداثة في الاقتـصاد والتـجارة والبنوك، ازدهار اقـتصـادي، عملة قـوية، كل شيء فيـه يناطح بقوته جبله «صنين» ويميس مع ارزته الخضراء.
هذا الـ «لـبنان» المشــروع، حــديـقــة العــرب ومطبـعتـهم وجريدتهم ومطعـمهم وملهـاهم، لاشك يوغر الصدور المحيطة والقريبة، وحساده ليسوا من وراء المحـيطات ولا حـتى عـبر الـبحـار أو في قـارة أخرى، فلم يفـشل هذا المشـروع «الإمبريالية» ولا «الصـهيونيـة» ولا «القوى الـرجعيـة العربيـة» بل جملة من الحـساد من بني جلدته وربما من أهله، هم الذين لا يسـعـدهم وجـود هذا المشـروع، لذلك فـهـو عرضـة لتلك الحروب والأزمات والحـدة السياسـية وانهار الدم و. . و. . و. . !
يبـقى لبنان المشـروع، إذا مـا تحـررت العـقليـة العـربية وآمنت بأنـها بحـاجة إليه لأنها أصبحت بقدره وبحجمه!