- البحريــن قصيـدة.. لم يكتبها ـ بعــدُ ـ شاعـر.. ولوحـة.. لم يرسمها ـ بعدُ ـ رسام.. ورواية.. لم تروها ألسنة الأزمنة بعد
- المحـرق.. مدينـة المتأوهين،لا من حسرة.. بل من شوق.. وحنين
- اسم «عبدالله الزايد» يفتح فـي الذاكـرة الخليجيــة المثقفــة مناطـق شاسعة جـال فيها الخيال وصال
- رحلة قلم للمخضرم «علي سياد».. كتاب ممتع وشائق، وإبحار في رحلة صحافية منذ مطلع الخمسينيات
- أرضنـا لا تحفـظ قديمـهـا وتتنكـر لترابهـا .. تستحيـي أن يكــون لهــا مــاضٍ .. وتخجل أن تتذكر أبناءها القدماء
«البحرين».. بين ماءين.. ماء البحر وماء العين..
نستقي من ذينك الماءين.. ونغتسل بهما..
غدرانها.. من «عذاري».. التي يشرب النخيل ماءها.. ويدمع
«لقاحا».. ويطرح رطبا شهيا..
هي قصيدة.. لم يكتبها – بعدُ – شاعر..
ولوحة.. لم يرسمها – بعدُ – رسام..
ورواية.. لم تروها ألسنة الأزمنة.. بعد..
ومحبوبة.. ضنت بها قلوب عشاقها.. عن عيون محبيها..
هي غادة.. لا ترقص على مزامير العازفين..
وميّاسة.. لا تلوي غصنها على دفوف الدفافين..
هي صمت ترويه العيون.. ويُلجم الحكّائين..
حكاية.. من ذات البدء.. إلى مسك الختام.. ترشرش عطرها على كل من لاذ بالصمت... وكفّ واكتفى..
زاد المقالة
مقدمة.. عاطفية.. شعرية.. وجدانية.. خيالية.. لمقالة ليست بعاطفية ولا شعرية ولا وجدانية.. ولا خيالية..
مقالة.. صحا بها الواقع واستيقظ ونهض..
رأت عين.. وسمعت أذن.. وسارت قدم.. ولمست يد..
فكان زاد هذه المقالة المستطيلة..
فلست أتخيل وقد رأيت.. ولست أتوهم وقد سمعت.. ولست أقفز في الهواء وقد كنت أسيّر قدميّ.. ولا أستعير مظنونا.. وقد لمست يداي..
«ارجع يا زمان»
أنا الآن في «المحرق» مدينة المتأوهين – لا من حسرة... بل من شوق.. وحنين.
أكف مسّدت الحبال وضفّرتها.. تجر بها ثقال السفائن الآيبات من المدن المزركشة..
تبسط بضائعها.. رهن العين البصيرة.. واليد القصيرة..
زمن كأنه تجلّد وتخلّد.. فمازالت رائحة منه.. أشتمّها الآن وأنا في أزقة المحرق..
كأنني أسمع «علي عبدالله خليفة» و«أنين صواريه»..
وكأنني أسقي «عطش نخيله»..
كأنني.. مازلت في ذلك الزمن الذي تسرب من بين الأيام والعقود المتلألئة بسنواتها..
وكأنما يد امتدت وقبضت على ما فر من ذلك الزمن لتستبقيه في حاضرها وراهنها..
وكأنما لسان قال للزمان «ارجع يا زمان».. فرجع الزمان..
قبل أن يفر الزمن
فطنت وزيرة الثقافة والإعلام البحرينية مي آل خليفة إلى فرار الزمن المحرقي.. أو أصالة الزمن المحرقي وأصله.. فنطقت «ارجع يا زمان».. فرجع الزمان.. ومدت يدها إلى غارب ذلك الزمان.. فأعادته..
مدينة المحرق.. تحولت في العقود الأخيرة إلى مجرد معبر وممر يمر على أطرافه القادمون إلى البحرين عبر مطارها.. فليس في «المحرق» مكان لإقامة الزوار.. مثل الفنادق أو الشقق أو ما شابه.. وليس فيها ما يستهوي السياح أو الزوار.. لذلك كانت مجرد معبر لهم الى «المنامة» أو المدن الأخرى التي يقيمون فيها.
و«المحرق» العريقة كاد نمط بيوتها الذي كان سائدا في سنوات ما قبل التطور المعيشي ينجرف وتطويه الحداثة.. ولكن مازال منه الكثير والكثير باقيا.. وفضلا عن ذلك.. فهناك معالم تاريخية – مازالت قائمة – تمثل ماضي البحرين.. وتدلل على أصالتها.. وكانت الخشية أن تبتلع أفواه الحداثة والجشع ذلك التراث الجميل ومعالمه.. وما تمثل تلك المعالم..
وهذا ما حرك السيدة الوزيرة.. لأن تسارع وتسابق الزمن القادم وتستعيد الزمن الماضي.. فكان أن فكرت في مشروع حضاري يحافظ على هذا التراث قبل اندثاره.. وذلك بترميم بعض البيوت القديمة وتطويرها بإدخال المحسنات الحديثة عليها لتصبح بيوتا عصرية بكامل الأناقة والحداثة.. مع المحافظة على طابعها المعماري القديم.
وهذا ما كان.. وما تم فعلا.. حيث تحولت تلك البيوت الى معالم تراثية ومتاحف ومراكز ثقافية.. وعلى رأسها بيت الشيخ «ابراهيم الخليفة» والذي حمل اسم «مركز الشيخ ابراهيم الخليفة للثقافة والبحوث» وتقام فيه المحاضرات والندوات الثقافية في قاعة تحتوي على ثلاثمائة مقعد.. وهي في الوقت ذاته مسرح صغير تقدم عليه الوصلات الغنائية والموسيقية.. وكان ان حضرنا فيه حفلة غنائية للمطرب المغربي «فؤاد زبادي» والذي اشتهر بأداء الأغاني التراثية القديمة.
ومن مركز الشيخ «ابراهيم الخليفة» للثقافة والبحوث وعبر الأزقة القديمة التي تم تعبيدها بحجارة تناسب تراثية المنطقة وقِدَمها.. إلى بيت «عبدالله الزايد»..
اسم «عبدالله الزايد» يفتح في الذاكرة الخليجية المثقفة مناطق شاسعة جال فيها الخيال وصال.. ركز عصا ترحاله هنا.. ثم ارتحل لينيخ راحلته هناك.. يمشي ويُهودج في صحراء طال زمنها..
فمن هو «عبدالله الزايد»؟!
هل أسأل نفسي هذا السؤال؟!
ربما سألته نفسي.. وكانت إجابتي حاضرة.. إنه «صحافي بحريني».. أو إنه أقدم صحافي بحريني.. وأول صحافي بحريني..
نعم، هكذا كنت أجيب نفسي السائلة والمحرومة من كامل الحقيقة..
إن المعرفة الناقصة «جهل آخر» وربما هي أسوأ من الجهل..
بين «الرشيد» و«الزايد»
بيت «عبدالله الزايد» تحول هو الآخر الى متحف صحافي راقٍ.. يحمل تراث البحرين الصحافي.. ويحافظ عليه..
البيت هو ذاته.. بيت «عبدالله الزايد».. ولكن يد التطوير السحرية امتدت إليه لتجعله تحفة وآية فنية معمارية يتمنى سكنة القصور هجر قصورهم ليسكنوه..
وذلك حديث يطول.. ولعل أهل المعمار.. أجدر مني بالحديث عنه.. ولكن لي منه الجانب الذي أغراني.. لأغمس قلمي وأكتب عنه.. وهو شخصية «عبدالله الزايد» وريادته الصحافية.. لا في البحرين وحسب بل وفي الخليج.. خليجنا المختلف على تسميته والمتنازع عليها بين الفرس والعرب.
ثمة إشارة لابد من إيرادها قبل أن أشرع في بحر «عبدالله الزايد» وريادته الصحافية تختص بإصدار الشيخ «عبدالعزيز الرشيد» ـ الكويتي ـ مجلة «الكويت» عام 1928، أي قبل أن يصدر «عبدالله الزايد» صحيفته بعشر سنوات.. ولكن مجلة «الكويت» لم يكن الشيخ «الرشيد» يطبعها ويصدرها في الكويت، بل كان يطبعها في الخارج ويأتي بها إلى الكويت، أما «عبدالله الزايد» فقد أصدر صحيفته «البحرين» في البحرين، حيث كان يطبعها.
تلك إشارة.. كان لابد منها للتوضيح..
وللدقة، فإننا نقول إن أول صحيفة خليجية هي «مجلة الكويت» عام 1928، أما أول من وطّن الصحافة الخليجية وطبع وأصدر صحيفة في الخليج فهو «عبدالله الزايد».
و«عبدالله الزايد» فضلا عن ذلك.. فهو أنشأ أول دار للسينما والمسرح في الخليج وذلك عام 1938 ايضا.
وحدة «الزايد»
ما كان في مخيلتي عن «عبدالله الزايد» أنه شيخ طاعن في السن، تراثي تقليدي يسير على خطا الأقدمين ومن سبقوه في الثقافة التقليدية التراثية.. ويشبههم في الطبع والملبس والعادات والتقاليد.
ولكن ما اكتشفته حين زيارتي متحفه.. أو بيته الصحافي.. انه رجل حديث ذو نمط غربي ويبدو ذلك من ملبسه، حيث يرتدي البذلة وربطة العنق، كما اكتشفت أنه شاب ولم يطعن في السن.. أو أن الحياة لم تسمح له، بأن يطعنها ويطعن سنّه، فمات في الخامسة والأربعين تقريبا من عمره.. حيث كان من مواليد آخر أعوام القرن التاسع عشر ومات عام 1945.
إضافة الى ذلك، فإن موقف «عبدالله الزايد» من أطراف الحرب العالمية الثانية والتي عاصرها من خلال صحيفته.. كان موقفا متقدما.. ومناقضا للموقف العربي العام المناهض للحلفاء.. والداعم لدول المحور.. أو لـ «هتلر» و«موسوليني»..
فقد كان «عبدالله الزايد» مؤيدا للحلفاء.. وتكاد افتتاحيات صحيفته والتي امتدت على مدى عمر الحرب العالمية الثانية.. لا تخلو واحدة منها.. من تأييد الحلفاء.. وكيْل الهجوم لـ «هتلر» وصب جام غضبه عليه.
ولقد عنون افتتاحيته للعدد 168 في 14 سبتمبر 1942، بـ «ليس للألمان حظ في كسب هذه الحرب». وفيها يتحدث عن سير المعارك في مدينة «ستالينغراد» الروسية.. وكم الخسائر في الجيش الألماني سواء في الأرواح أو المعدات..
وهكذا تتواصل افتتاحياته.. تأييدا للحلفاء.. وهجوما على المحور.
و«عبدالله الزايد» إضافة الى ذلك داعية من دعاة الوحدة العربية.. وذلك ما اعلنه في افتتاحية له عام 1942.. مؤكدا طرح هذه الفكرة قبل ذلك.. ايضا.
ركّز على وحدة دول الخليج العربية «من الكويت إلى رأس الخيمة، بل والى سلطنة مسقط».. كما جاء في افتتاحيته تلك.
تراث الكلام
و«بيت عبدالله الزايد» لم يتم ترميمه وتجديده ليكون معلما معماريا قديما.. فقط، بل إنه مركز ثقافي يقيم الندوات لكبار الصحافيين العرب والأجانب.. وتلقى فيه المحاضرات، وكذلك يصدر الكتب وبالذات الخاص منها بالصحافة..
ومن إصداراته والتي حصلت على بعض منها:
1- افتتاحيات عبدالله الزايد، وقد صدرت في عدة أجزاء، وحصلت على الجزء الأول منها..
2- رحلة قلم: وهو عبارة عن كتاب ضخم يزيد على الـ 500 صفحة للصحافي البحريني المخضرم «علي سيار» صاحب مجلة «صدى الأسبوع» التي صدرت عام 1969 وتوقفت عام 1996.
وهو كتاب ممتع وشائق.. يتحدث فيه صاحبه «سيار» عن رحلته مع الصحافة التي ابتدأها بمحاولة نشر أول مقالة له في صحيفة «عبدالله الزايد» ـ البحرين ـ عام 1943، ولكنها لم تر النور.. ثم يبحر في رحلة شائقة مقلبا أوراقه الصحافية منذ مطلع الخمسينيات وإصداره صحيفة «القافلة» في منتصف الخمسينيات ثم «الوطن.. وهكذا..
3- كلمات لا تنقصها الصراحة.. وهي مقالات محمود المردي صاحب مجلة «الأضواء».. ثم جريدة «أخبار الخليج» اليومية وهي أول صحيفة يومية تصدر في البحرين..
4- مجلة «صوت البحرين» أربعة مجلدات..
بيوتنا.. تراب في عيوننا
قصدت من ذلك التعداد لإصدارات «بيت عبدالله الزايد».. ان أبين ان البيت لم يُكتفَ بأن تتم المحافظة على حجارته وجدرانه ومعالمه المعمارية.. بل انه مركز للتوثيق الصحافي.. حتى لا تضيع صفحات الأقدمين والسائرين على شوك الصحافة.. ولا تذهب سدى.. يغطيها الزمن وتنساها الأجيال.. فتنبتّ عنها.
ولقد سرني وأنا أتجول في بيت عبدالله الزايد وجود صورتين لاثنين من وزراء إعلامنا.. هما «سعد بن طفلة» و«أنس الرشيد» مرفوعتين الى جانب العديد من الصور لبحرينيين وعرب وأجانب، ولما سألت عن سبب تعليق هذه الصور عرفت انها كانت بسبب مشاركات أصحابها في أنشطة «البيت» إما محاضرين، وإما مشاركين في ندوات وأنشطة خاصة بالبيت.
وكم تمنيت في نفسي لو ان وزيرينا المكرمين «بن طفلة» و«الرشيد» قد قاما بنقل التجربة البحرينية ليكون عندنا «بيت عبدالعزيز الرشيد» مثلا أو «بيت عبدالله الفرج» أو بيت «فهد العسكر».
ولكن أرضنا لا تحفظ قديمها.. وتتنكر لترابها.. وتغتسل من ماضيها..
تستحيي ان يكون لها ماضٍ.. وتخجل ان تتذكر أبناءها القدماء..
مواضينا دارسات.. وبيوتها أكوام من تراب تذروه الرياح..
[email protected]