- البرلمان التركي سيحاسب حكومته عن المشاركة وبرلماننا أشاد ومدح ورقص على طبول جوفاء
- البطل التركي ملّ من طرق باب «الأوروبي» فلم يجد أمامه غير باب العرب
- تاريخ إسرائيل مليء بالحوادث الدموية التي ارتكبتها للحفاظ على أمنها
- ما الذي جناه أهل الأسطول وركابه سوى الموت والرعب والترويع
- من الجنون أن تبحث عن عقلاء.. ولا أعرض عقلي للبيع على الأرصفة
ما أسهل ان تغرد داخل السرب..
ترقص مع الراقصين.. وتطبل مع المطبلين.. وتنفخ في مزامير عرسهم..
تطرب لمواويلهم.. وتتأوه لقوافيهم.. وتحرق كفيك تصفيقا لهم.. وترهن لسانك في حظيرتهم.. وتسخّر لهم عينيك.. فلا ترى إلا هم.. وأذنيك.. فلا تسمع إلا رنين خطبهم.. وجَنانك يطوّف فوق رؤوسهم.. ويرفرف مذعورا خشية السقوط..
لا أعرض للبيع.. عقلي
لم يستهوني «سرب الحرية» ولا مواويله وأناشيده ورنين خطبه و«بطولات» عصافيره المجنحة صوب «غزة» العطشى الجائعة العارية المرتجفة..
ولم أصوب عيني نحو الفضائيات.. أتصيد جديد «السرب» وأتلمس اخباره.. فأنا لست مبهورا بأفلام «الأكشن» ولا بـ «الاستعراضات» الخائبة، ولا تشدني بطولات الألسنة.. ولكم الهواء بقبضات متشنجة.. ولا أهوى رؤية الجرذان وهي تستحيل في العيون السادرة.. أبطالا تُقبل جباهها.. وترفع فوق الأكتاف الحاملة اوزارا..
لست من ذلك الصنف.. الذي يعرض عقله للبيع على الأرصفة.. وبلا ثمن..
ولست.. تطربني تلك الزفات الكذابة.. ولا تخطف عيني اضواء اعراس الاغتصاب..
وإنما اثبت على ما انا عليه.. لا اميل مع الهوى.. حيثما مال.. وارنو إلى البعيد.. وأقرأ «القصة» من أولها.. ولا أقفز إلى نهاياتها.. عدوا.. وركضا.. فأحاكم ابطالها بناء على تلك النهايات.
بين «الترك» و«الفرس»
البطل التركي.. أفلس وحفيت قدماه من التسول على ارصفة الغرب.. ومل طرق باب الاتحاد الاوروبي.. وكلَّ متنُه.. وأوهاه الطَّرْقُ المتواصل.. وفتت يده.. فلم يجد غير باب العرب وفلسطين.. بعدما قال له قائل.. عوضا عن ان تكون في آخر الصف الأوروبي.. وذيلا في جسد أوروبا واتحادها.. غير وجهتك.. وتعال وتسيد هؤلاء العربان الذين تسيدهم جدودك الغزاة الفاتحون.. من قبل..
كن رأس العرب.. وهم يُصغرون ويطأطئون.. ويملكونك فيهم.. ويسيدونك عليهم..
كن خليفة لهم.. ورأسا في أعلى ذلك الجسد المتواري في وحل «فلسطين»..
ذريعة الإسلام.. تسع تركيا مثلما وسعت «إيران» من قبل.. فأقدم يا رجل.. ولا تتردد.
صدور العربان مفتوحة للغزاة.. فاغزُ وحدك وأعد مجد أجدادك.. قبل أن يستتب الأمر للفرس.. ويغنموا الغنيمة العربية وحدهم..
يا «غزة» من أبكاك؟!
«غزة» تبكي.. تنادي.. تستغيث..
ولكن لم يسأل أحد.. من أبكاها؟
من أثخن جراحها؟
من فصلها عن جسدها الفلسطيني؟
جلادوها صاروا هم الضحايا الذين تُشق الجيوب وتدق الصدور وتذرف العيون لأجلهم.. وعليهم..
القتلة.. أبرياء.. رغم الدم المنسكب، مازال، من أيديهم..
مجرد تجميع لأشلاء الصورة
هذه الصورة الساطعة بالبيان وبالحق.. لا تراها عيون العربان.. ويشيحون بوجوههم عنها. أو ربما رأوها وعرفوها، ولكن يصعب عليهم الخروج من ثقافة.. القطيع..
لن أذهب إلى ما ذهب إليه من أطلقوا على أنفسهم صفة «أهل الوعي» فأقول ما قالوا وأسمّي.. مثلهم.. أسطول الحرية.. بـ «إسطبل الحرية»..
لا.. لست بذلك التطرف.. ولست لذلك أشرعت قلمي لأكتب ما أكتب.. بل هممت إلى تجميع أشلاء الصورة المبعثرة ولصقها لتكون كاملة الوضوح.. واضحة المعالم.. ولتكون فرصة للغافلين.. لأن يروا الصورة على حقيقتها.. لا كما أشاعتها الفضائيات والفوضى التي رافقت وأعقبت استيلاء إسرائيل على «أسطول الحرية».
في البدء لابد من إيجاز تاريخي لماضي إسرائيل وسالفات عهودها في الحفاظ على أمنها.. وبأي صورة دموية كانت..
ماضي إسرائيل.. يحدثنا عن تفجيرها لطائرة ركاب مدنية في الجو بجميع ركابها.. لأن من بين أولئك الركاب بعض الشخصيات التي تريد تصفيتها.
سبق لإسرائيل إنزال طائرات ركاب في مطاراتها واعتقال بعض ركابها ممن تتحين إسرائيل الفرصة لإلقاء القبض عليهم، فلم تجد غضاضة في اعتقال طائرة ركاب مدنية في الجو وإنزالها في مطار تل أبيب.
إسرائيل.. هاجمت المفاعل النووي العراقي ودمرته متجاوزة حدود الدول..
وإسرائيل نفسها.. وبعدد قليل من رجال «الكوماندوز» وبقيادة «المرأة الشقراء» ـ ايهود باراك ـ وزير الدفاع الحالي والذي تنكر بزي «امرأة شقراء» غزت بيروت بحرا وقتلت ثلاثة من قادة «فتح» الفلسطينيين، كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار..
وإسرائيل.. هاجمت مطار بيروت.. ودمرت طائرات جاثمة فيه..
وكذلك.. احتلت مطار عنتيبي» في أوغندا.. وحررت طائراتها المخطوفة..
وأيضا.. قتلت «خليل الوزير» القائد العسكري الفلسطيني في «تونس» في عملية حربية.. ويُشك أن ياسر عرفات هو من خطط لها أو ساعدها.
وملف إسرائيل في هذا الجانب متخم، يُفتح ولا يغلق.. وإنما أردت بذلك تذكير «سرب الحرية» والذين تصاعدت استنكاراتهم وعلت أصواتهم وملأوا شوارعهم بالمظاهرات واحراق علم إسرائيل ورفع العلم التركي.. احتجاجا على هجوم إسرائيل على «أسطول الحرية».
أما أنا فيتملكني الاستغراب كله.. نتيجة هذه الثورة المضرية الممزقة.. وكأن ما فعلته إسرائيل في زورق الحرية.. أمر غريب وجديد عــــــليها.. أو كأن من فعل ذلك هــــو «سويســــرا» لا «إســــرائيل»!
أين الفهم أو الوعي السياسي من منظمي تلك الحملة الخائبة.. وهم يجهلون ما سوف تفعله إسرائيل أو يتوقعونه على الأقل.. حتى لا تحمل رقابهم دماء الأبرياء ممن قضوا في سفينة «الحرية» أو من روعوا نتيجة اصطيادهم واقتيادهم مغلولين ومغلولات إلى السجون الإسرائيلية؟
هدايا لـ «إسرائيل»
ما أردت أن أركز عليه.. هو استغلال واستغفال بعض الدول والأحزاب... للعامة والدهماء والبسطاء وحسني النية أو حتى من محبي الاستعراض وهواة المغامرة.. والزج بهم في أتون الموت والنار والذعر والذلة والمسكنة..
فما الذي جناه «أهل الأسطول، وركابه ومتاعه» سوى الموت والرعب والترويع..
أما المتاع الذي كانوا يزمعون إيصاله إلى «غزة» فإن «غزة» قد رفضته.. ولم ترض «حماس» بتسلمه.. فضاع على محتاجيه.. وكأنما «حماس» توكلت عن مرضى «غزة» وجياعها ومشرديها.. فعاد إلى إسرائيل.. ولم يبق إلا أن تشكر إسرائيل «أصحاب الأسطول» على «هداياهم» لها.
عندنا.. وعند الأتراك
الفرق بين العرب والأتراك أن الأتراك لم ينتشوا بنصر مزعوم.. ولم يسكروا بكؤوس «العز».. بل اعتبروا أن ما حدث جريمة.. ولكن من هو المجرم في نظرهم؟ إنه حكومتهم التي لم تحسب الأمر جيدا.. وغامرت بمصائر الناس الأبرياء.. حينما وافقت وباركت إبحار هذا الأسطول.
وسوف يحاسب البرلمان التركي الحكومة على خطئها ذاك. ولسوف يدفع «أردوغان» ثمنا سياسيا كبيرا.. إزاء ذلك الخطأ الذي لا يغتفر في نظر أولئك القوم الذين يحسنون التفكير السياسي.. ولا تطيش أفكارهم وراء الدهماء والسوقة والعامة..
أما عندنا.. فماذا نرى..؟!
نرى البرلمان وقد صار جوقة واحدة تردد الأنشودة ذاتها.. إشادة ومديحا.. وتمجيدا.. ورقصا على طبول جوفاء خرقاء.. بدل أن يحاسب الحكومة على تقصيرها وعدم تحذيرها لمواطنيها من الالتحاق بهذا «الأسطول» لأن العواقب ـ واستنادا إلى ماضي إسرائيل وتهديداتها بخصوص هذا الأسطول ـ غير مأمونة.
ولكن اتحاد الجهل والغباء والتبعية للسرب.. لابد من أن ينتج مثل هذه النتائج الكارثية.
رأس بلادي ليس مطأطئاً
ولأنني مواطن لي كرامتي التي اعتز بها.. ولأنني إنسان ارفض ان يتم استغلالي من قبل اي كان.. فإنني ارفض بإباء ما ردده بعض الببغاوات.. من ان المشاركين الكويتيين في اسطول الحرية.. قد رفعوا رأس الكويت..
ارفض ان يكون رأس بلادي خانعا خاضعا مكسورا مطأطئا.. ليتعطف عليه «البعض» بالرفع في مناسبة لا علاقة للكويت بها من قريب أو بعيد..
إن الذين شاركوا في «اسطول الحرية» ـ كما يسمونه ـ هم شاركوا مدفوعين إما بقناعاتهم او بما يحكمهم من ظروف، وذهبوا مناصرين لـ «غزة».. ولا اظن ان «غزة» هي «النقرة» أو «الجهراء» أو «الفحيحيل».. فغزة فلسطينية.. وأهلها فلسطينيون.. فكيف حمل المتطوعون لأجل «غزة» رأس الكويت ليرفعوه هناك.. فضلا عن انهم لم يصلوا اليها اساسا..
ولرفضي ان اكون سادرا في غباء وملتحفا بغباوة كثة.. فإنني أرفض ما قاله احد المشاركين الكويتيين.. من أنهم ـ الكويتيين ـ كانوا يقفون في جانب من السفينة لـ «صد» الزوارق الحربية الاسرائيلية.. ولكن الاسرائيليين قاموا بعملية إنزال على سطح السفينة.. ناحية الأتراك!
ولا أدري كيف كان الكويتيون يستعدون لـ «صد» الزوارق الحربية الاسرائيلية؟!.. وبأي وسيلة؟!
صكوك الغفران
لا أريد ان افسد على هؤلاء المحتفلين بـ «بطولاتهم» فرحتهم واعراسهم ولا ان اخرق جلود طبولهم.. ولكنني نشدت الحق والحقيقة وعدم استغلال المناسبات لتركيب نياشين البطولة على صدور لا تستحقها.. فلست ارى فيما فعلوه، شعرة من بطولة.. فهم ـ في الأساس ـ مسافرون على ظهر باخرة ـ درجة أولى ـ مجهزة بكامل التجهيزات.. لم يشقوا بطون صحراء ذات ضوارٍ تنهش اللحوم وتجرش العظام.. يقطعونها على ظهور الجمال مسيرة ثلاثة اشهر.. ولا هم ركبوا البحر في سفن بدائية منخورة الأخشاب تتسلل إليها مياه البحر فتملؤها وتأخذها إلى جوف اليم وتغرقها!
أما حين حانت ساعة البطولة.. وهجم الاسرائيليون، فلم تحدثنا الاخبار عن نزال وقرع وجهاد وصدّ لهذا الهجوم، حتى وإن كانوا مجردين من السلاح، فهم مزودون بسلاح الإيمان، ألم يقرأوا قوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم). لاسيما وان بعضهم صرح بأنه حتى «إن استشهد» في تلك الرحلة فإن ذلك هو الفوز العظيم الذي يسعى إليه.. فلماذا احجم الابطال واستكانوا واستسلموا.. حين لاحت لهم بيارق الجنة والشهادة وحانت ساعة الملاقاة وفتحت ساحة المعركة؟!
أليست الشهادة.. خيرا لهم مما لاقوه من «تكرُّم» الاسرائيليين عليهم بإطلاق سراحهم بعد توقيع «صكوك الغفران» والمذلة؟!
وحيد سيّد
قد.. أكون في معزل.. أعزف نايي الحزين.. وحيدا..
ولكن قدري.. شاء لي ذلك..
شاء لي.. ان اكون من العازفين عن قرع الطبول في الزفات الكاذبة..
ومن الرافضين للاصطفاف في صفوف المباركين للحالمين ببطولات رسمها الهواء.. وغالها الواقع..
وأن أكون من الذين.. يرون.. ويسمعون.. ويتفكرون... ثم يقررون في أي «سرب» يكونون..
أكون وحيدا سيدا.. خير لي من ان اكون مسترقا وسط جماعة..
اعذروني.. ان فكرت بصوت مكتوب مطبوع..
وسامحوني.. ان لم أكن «شيطانا أخرس».. أكتم الشهادة.. وأسكت عن الحق..
فلست شيطانا.. ولا أخرس.. لذلك ما غردت في «سربهم»..
[email protected]