- الحب منشؤه العقل.. وليس القلب
- ليس هناك من عاشق إلا الإنسان
- في المجتمعات المحرومة تتولع الفتاة بالفتى أكثر مما يتعلق هو بها
- سطوة الأب والأخ تطول حتى الجدّة
- كيـــف يـكــــون «قـيــس» نائمــاً ويقـع مغشيـاً عليه؟!
- عنـدمــا يكـــون الإنســان متطفــلاً علــى دولـة الحب!
لو كان الحب يشرى لشريته ببعض عمري.. وربما بأغلى ما في هذا العمر..
الحب.. لا يؤطّر ولا يُسوّر..
خارق بلا قيود.. وممتد بلا حدود..
ومن جعل الحب نقيصة.. نقص عمره..
ومن جعل الحب عيباً.. عابت دنياه وعابته..
هنا يولد الحب
منشأ الحب.. العقل وليس القلب..
العقل هو محتضن الحب.. وهو مهده.. والرحم الذي حواه نطفة من هواء.. أو فكرة تحوّم وتهوّم..
أما القلب.. فإن القلب لا شيء.. لا يحضن حبا ولا كراهية.. لا شوقا ولا بغضا..
إنه مجرد آلة في الصدر..
هو يحتضن الحياة.. ولكنه لا يحتضن الحب.. ولا الكره..
لا يُحسّ الا حياة.. ولا يتوقف الا موتا..
ولكن لأهمية القلب لدى الكائن الحي.. جعلوه حاضن الحب والحاني عليه ومصدره ومبعثه..
وجعلوا «كيوبيد» يرمي القلوب بسهامه.. فتهوى وتعشق وتحب وتهيم..
حب الذات
استقر مفهوم الحب لدى الاقوام البشرية، وتوقف عند الرجل والمرأة..
الرجل يحب المرأة.. والمرأة تحب الرجل..
وما هكذا الحب.. وما هذا هو الحب..
الحب أشمل من ذلك.. وأبعد وأوسع أفقا..
الحب.. حب كل شيء.. وعليه قامت الحياة..
حب الذات.. هو اهم انواع الحب واسماها.. فلولا حب «الشيء» لذاته.. لما كانت حياة.. وحينما اقول «الشيء» فإنني أقصد كل مكون للحياة.. من نبات وحيوان وطير وإنسان.. وطبيعة..
حتى الطبيعة.. تحب ذاتها..
السماء والأرض.. الشمس والقمر.. الصيف والخريف.. والشتاء والربيع..
انها قضية حب متصلة.. ولكن أنانية الانسان وغفلته عن حق غيره من مكونات الحياة.. جعلته يختصر الحب في نفسه هو..
فليس من عاشق.. الا الانسان..
وليس من محب.. الا الانسان..
وما فكر هذا الانسان.. انه يأتي في آخر سلم المحبين..
وما علم انه محب اناني.. محب لشهوته.. وارضاء غريزته النهمة.. رجلا كان او امرأة..
هما كائنان في الحياة.. اختصرا الحب فيهما وحدهما.. وظنا انهما سيدا الحياة.. تعمر بحبهما وتفنى ان تباغضا..
الحب الفطرة
وثمة حقيقة.. قد تجاهلها الانسان..
فحب الرجل او المرأة لمكونات الحياة الاخرى.. مقدم على حبهما لبعضهما..
حب الانسان لذاته مقدم على حبه للجنس الآخر، وتلك غريزة وفطرة فيه.. بينما حبه للجنس الآخر.. وإن كان غريزة.. فهو ليس فطرة تولد معه وتتكون معه وهو في احشاء أمه.. ثم انها غريزة متأخرة.. تنمو مع الاكتمال الجسدي، وتنميها المتضادات في التشكيل الجسدي لكل من الرجل والمرأة..
الحب التكافلي
اما عن حب الطبيعة.. او المكونات للطبيعة.. فإننا نراه براقا ولامعا.. في علاقة السماء بالأرض.. وعلاقة الأرض بالسماء..
إنها علاقة حب تكاملية.. تكافلية..
الأرض تغذي السماء.. ببخار بحورها.. والسماء تغدق عليها ماء يروّيها ويبل عروقها الظمأى..
والشمس تمنح الأرض الحياة.. وتمنح القمر بعضا من ضوئها.. وحتى لا تغرق الارض بدامس الظلام.
والطير يحب ويعشق.. والحيوان كذلك..
وربما أخذ الانسان فكرة الحب منهما.. ومن الطبيعة قبلهما..
الشتاء يزمجر ويغضب وينهمر.. ليمهد الأرض للربيع كي يختال ويزدان.. والصيف يهدي للخريف بقية أوراقه..
سلطان دولة الحب
الإنسان.. ساطٍ على فكرة الحب.. وسارق لها.. ومتسور اسوارها.. وخارق لحرمتها..
ليس هو مبتكر الحب.. ولا صانع العشق..
ليس هو السلطان في دولة الحب.. ولا هو الناظم قلائده.. ولا واضع قواعده..
الانسان.. متطفل على دولة الحب.. وهو من أُجرائها.. ليس من رعاياها.. ولا من مواطنيها..
كل قصة حب انسانية.. جمعت رجلا بامرأة.. هي قصة مشتهاة ومتمناة.. وخرافية.. لا حقيقية.. يحاول من خلالها الانسان تأكيد شرعيته ومواطنته في دولة الحب.. وحينما لم يسعفه الواقع.. راح ينسج بخيوط الخيال قصص حب وهمية.. راح يؤلفها ويصنع أبطالها الذين لم تحملهم ارض.. ولم تسر بهم قدم.. ولكنهم ساروا وناموا وقعدوا وأكلوا وشربوا وبكوا وتعانقوا وتفارقوا.. في رأس متخيلهم.. وصانعهم.. ومبتكرهم..
آفة الحب النسيان
لقد نسي الانسان ان حبه.. هو للأرض التي يعيش عليها.. والتي تكمن فيها حياته.. فهي التي تمده بالغذاء.. وهي التي تؤويه في مماته..
ونسي انه يحب الشمس التي تهبه الحياة..
ونسي انه يحب القمر الذي علمه الحساب وتوالي الايام والليالي..
ونسي انه يحب النجوم التي علمته المسارات.. وخارطة الارض..
ونسي انه يحب الحيوان الذي يعينه على تكاليف الحياة..
ذلك كله تبخر من عقل الانسان.. وظن ان كل ما في الكون وضع لخدمته ولا يستأهل حبه..
لقد تنكر الانسان لحبه الحقيقي.. وتلهى بحبه لنفسه.. وراح يحصر الحب في ذاته هو..
ومن هذا الجحود الفاضح.. تولد الحب بين الانسان والانسان.. أعني بين الانسان الرجل.. والانسان المرأة..
لكل «قيس» ليلاه..
والعرب.. هم اكثر الاقوام التي تفشى فيها هذا الحب.. حب الرجل للمرأة.. او حب المرأة للرجل.
وأقدّم حب الرجل للمرأة.. على حب المرأة للرجل.. لأنه لدى العرب.. ممنوع على المرأة ان تحب.. بل ويغالون فيمنعونها ان تحَب ايضا.
وماذنب «ليلى» صاحبة «قيس» الا ان «قيسا» احبها وهام بها وجن.. فوقف ابوها حائلا بينها وبين قيس، لأن قيسا احبها.. وقال فيها شعرا يعبر فيه عما يكنه لها من حب.. فاعتبر ابوها ذلك تشبيبا بها.. وانتهاكا لحرمتها، فحرمه منها.. وحرمها منه.
فكانت تلك القصة المأساة.. قصة قيس وليلى.
وهي قصة لا يستبعد ان تكون مجرد اسطورة ورواية وخيالات صنعتها مخيلة مبدعها للتسلية ولإزجاء الوقت عند قوم لا صناعة لهم.. تتعاقب ايامهم ولياليهم وهم تحت نار شمس وضوء قمر.. ليس لهم الا الاحاديث والتسالي والتندر.. وخلق القصص الوهمية.
ولما كانت قرائحهم الشعرية غنية ومكتنزة.. راحوا يصنعون بالشعر.. اوهاما من قصص حب متخيلة.. يسترزق صناعها ورواتها بروايتها بعشاء دسم.. او بناقة.. او عطية.
هل نحب حقا؟!
نشأنا نحن على تلك القصص وصدقناها.. لأنها تغذي فينا شهية الارتواء الجسدي، وحب التلصص على المخادع والأخبية السرية.. ولندخل عالما مجهولا بالنسبة لنا.. يروي ظمأنا ويداوي بعضا مما اكتوت به قلوبنا من الحرمان والعطش.. ويسد خانة العوز النفسي المزمن فينا.. والذي نتوارثه جيلا في اثر جيل.
يا للهول.. امرأة تحب؟!
كنت في شبابي المبكر.. اعجب اشد العجب.. واستغرب اشد الاستغراب.. حين اسمع اغنية تغنيها امرأة.. تتكلم عن الحب.. وتعلن حبها صراحة.
ومنــشـأ ذلــك الاستــغــــراب وذاك التعجب.. كوني اعيش في بيئة تحرّم الحب.. حب الرجل للمرأة.. وتعتبره من الكبائر.. فكيف الحال والمرأة هنا هي التي تتحدث عن الحب وتغني له.. وتتغزل في حبيبها.. وتتوله وتتدله.. وتتغنج وتستميت في سبيل وصله وطلته ووصاله..
لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى
حتى يراق على جوانبه الدم
ويل لتلك المرأة المغنية.. او لجملة النساء المغنيات.. اما خشين من سيف القبيلة يحز رؤوسهن حزا.. ويقطع رقابهن اربا اربا؟
كم من موءودة وئدت.. خشية الحب!
فما بال القوم.. تغني بناتهن للحب وللحبيب؟
لماذا لم يوأدن.. حتى لا يتجرأن فيتغزلن بالحبيب.. ويغنين له.
«انا في انتظارك مليت».. «ابو سمرة زعلان».. و«مليان كل قلبي حچي».. ومطولات من اغانٍ اعلنت فيها المرأة حبها صراحة وعلانية وعلى رؤوس الموجات الاثيرية والاسطوانات.
الرسائل المحرمة
كيف يكون الحب حراما هنا وعيبا.. وحلالا هناك وجلجلة وطبلا ومزمارا؟!
يا لذاك العقل الصغير.. كيف يحل تلك الاشكالية؟!
الحب بين الحلال والحرام.. وبين العيب والمفاخرة.
بين الحبيبة التي تدس رسائلها في خفاء الليل وبين جدائله السوداء.. خشية الفضيحة.. وبين تلك الحبيبة التي تعلن حبها وغزلها على الملأ والناس شهود.. والاذاعات تذيع.. ومحرمو الحب هم اول السامعين والطاربين!
ورويدا.. رويدا.. بدأنا نعرف الحب.. خطوة في ذلك الطريق غير السالك..
بدأت قلوبنا نحن الشبان.. تخفق.. يخفق قلب كل منا لفتاة بعينها.. بينما لا يخفق لأخرى..
اختار كل منا محبوبته.. وراح يدسّها في رأسه فلا تغادره لحظة..
وهي ـ ايضا ـ تفعل ذلك.. وربما أكثر..
في المجتمعات المحرومة.. أو الممنوعة.. تتولع الفتاة بالفتى وتعشقه أكثر مما يتعلق هو بها.. لأن الفتاة ترى في عين محبوبها.. ما لم تستطع وما لاتستطيع ان تراه بعينها.. فهي لا تغادر البيت.. وهو يقضي جل وقته خارجه..
وهو الفتى.. القوي الذي تلوذ به فيبسط عليها جناح حمايته.. ويظللها بالأمان.. أو هكذا هي تعتقد..
الفتى يخالط الناس ويسمع الحكايات والقصص ويشاهد الأفلام ويجول في الأسواق.. بينما هي قليلة الحظ في تلك الأمور..
خروجها من البيت.. يسبقه إعلان حالة الطوارئ.. واستنفار الحرس والعسس.. ودراسة الخارطة بالدقة.. فلا تحيد قدمها قيد أنملة عن الخط المرسوم للمشوار..
لذلك.. كان الفتى يمثل لها العالم المفتوح.. والعين الرائية والأذن السامعة.. والحصيلة الحياتية الوفيرة التي لا يتوافر لها إلا الجزء اليسير منها.. ومما تسمعه من أمها أو خالاتها وعماتها وكبيرات النساء المدججات بالتحذيرات واختلاق قصص التخويف من الجنس الآخر.. حتى لا تقع هذه الفتاة المسكينة في براثنه.. وتصير ضحيته.. فينقص ـ عند ذاك ـ شرف العائلة.. وتنثلم حوافه..
إن شرف العائلة.. يكمن في شرف البنت.. وشرف البنت يكمن في ألا تكلم صبيا أو تراه أو تسمعه.. فذلك هو العار..
وأسهل طريقة للحفاظ على شرف العائلة.. هو وأد الفتاة حية في بيتها.. ترى وتسمع وتتكلم وتأكل وتنام وتطبخ.. ولكن داخل أسوار البيت.. إنه الوأد الذي لا يُميت.. وفي ذلك كفاية.. بل ومكرمة وتفضل على الفتاة ومنّة..
أما يكفيها.. أنها مازالت حية تنبض عروقها.. وتشرب وتأكل!
ما الذي تريده أكثر..؟!
جمال يفضي إلى الموت
ومازالت هذه الفكرة سائدة في كثير من الرؤوس.. ولولا الحمايات القانونية المستحدثة.. لكانت في كل الرؤوس..
ومازال الحب محرما.. ومازال جريمة.. ومازالت سطوة الأب أو الأخ أو حتى العم والخال وابن العم وابن الخال وغيرهم.. قائمة ومستمرة ومسيطرة على الفتاة.. بل تطول المرأة الأم والزوجة وربما حتى الجدة..
وكأنما المرأة.. كائن زجاجي يخشون عليه من كسر العيون له.. إن رأته..
وتزيد السطوة والتجبّر والقسوة.. إذا ما كانت هذه المرأة جميلة.. ليكون جمالها سبب تعاستها.. ولتتحول نعمة الجمال الى نقمة قد تفضي بصاحبتها الى الموت..
«دع الرواة بما قالوا وما نقلوا»
يقول الراوي إن رجلا مر بـ «قيس بن الملوح» ـ مجنون ليلى ـ وكان «قيس» نائما.. فأنشد الرجل:
«الا إن ليلى بالعراق مريضة
وأنت خليّ البال تلهو وترقدُ
فلو كنت يا مجنون تضنى من الهوى
لبت كما بات السقيم المسهّد»ُ
يضيف الراوي: «فوقع مغشيا عليه، ولما أفاق قال:
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فما لك لا تضنى وأنت صديقُ
شفى الله مرضى بالعراق فإنني
على كل مرضى بالعراق شفيقُ
رواية الراوي بحاجة الى فحص وتمحيص.. فكيف يكون «قيس» نائما و«يقع مغشيا عليه»؟!
إنه الخيال الروائي.. وحسب..
إن الحب صدق.. ليس بحاجة الى تدليل كاذب..
[email protected]