- هل تبيع «قطر» نفطاً.. وغازاً.. ونحن نبيع جزراً وخياراً؟!
- كيف يكون لدى قطر فائض من كهرباء وعندنا مع نفطنا وغازنا شح؟!
- عندمـــا حلّت «الثلاجة» محل «الحــب» و«الملّالة»
- في أربعينات القرن العشرين كانت الكويت ملكية خاصة
استقبلتني الحياة بلا كهرباء.. وعشت سني عمري الأولى دونها..
ولا أدري بأي عمر عشت تحت ظل الكهرباء.. أو في ضوئها؟
حتى طرق طارق النور الكهربائي باب بيتنا..
«كانت الدنيا ظلاما حولنا».. حولنا كلنا.. أو معظمنا..
في النصف الثاني من أربعينات القرن العشرين.. لم تكن كهرباء الكويت.. «كلأ ولا ماء ولا نارا» يتشارك فيها الكويتيون كلهم.. كانت ملكية خاصة.. أو شبه ذلك..
وكانت ترفا.. أو ضربا من ضروب الترف الزائد عن الحاجة..
وقد تنير بيتا من حي كامل.. وربما يخلو حي كامل منها أو من بيت تنيره..
عشنا سنواتنا تلك في ظلام ألفناه.. ولم نتهيبه..
وكان القمر.. وكانت النجوم سلوانا.. في ليالينا الطفلة المظلمة..
كان «الزهيوي» أو الفنر.. هو بصرنا وبصيرتنا! سراج ذو فتيلة مبللة بـ «الجاز» بالكاد يضيء إضاءة خافتة مساحة لا تتجاوز أمتارا ستة.. أو ثمانية..
وهو الذي تنقضي على ضوئه الخافت ساعات ليلنا اليقظة والتي لم تكن تتجاوز الاثنتين أو الثلاث من تلك الليالي الداجية الطويلة..
ننام.. نوم الدجاج أول الليل.. فلِمَ السهر.. والدنيا ظلام ووحشة.. وأجساد يسكنها التعب.. وقلوب تضنى.. وعيون أطفأتها العتمة؟
الليل طويل.. يا ولدي.. بسواده وظلامه وشقائه وطوله..
والنهار.. لا يقل عنه طولا.. وفراغا.. والفرق بينهما.. ظلام في هذا.. ونور في ذاك..
ولكن ما جدوى النور..؟ والأمور كلها سواكن.. ثوابت.. متشابهات الأيام.. ومتشاكلات بالليالي..
ثم دقّ دقّاق الكهرباء.. أبواب بيوتنا.. فانحسر الظلام.. ضاقت بقعة العتمة.. لتزيد عتمة الأرواح..
الظلام يوحد الناس ويؤلّف بينهم ويقربهم الى بعضهم.. لأنهم بتوحدهم ذاك وتآلفهم.. إنما هم يواجهون الظلام ومخاوفه وما يحمل اليهم من نذر وشرور يتوهمونها..
الظلام مجهول.. والناس أعداء ما جهلوا..
فكل بقعة مظلمة.. تحمل مجهولا لا يدريه الناس.. هكذا هم يتصورون.. ويتوهمون الظلام عدوا.. وما أظنه كذلك..
كان جل فرحنا بدخول الكهرباء الى بيوتنا.. انها ستزيد بقعة الضوء في ليل عيوننا.. وعيون ليلنا.. وستسهل حركتنا في الليل الدامس.. وستطيل ساعات سهرنا.. وستقلص مساحة الليل الأسود الطويل الفارغ..
إن الشيطان.. يتربص بنا في الظلام..
هكذا أفهمنا أهلنا..
إلا في «رمضان» فإن الشياطين فيه تصفّد وتُغلّ..
لذلك.. كنا في ليالي رمضان شجعانا.. تُرهب جوانبنا.. لا نبالي بظلام ولا بخرائب تسكنها الشياطين والجان.. وهو ما كان أهلنا يوحون به إلينا..
الأهل.. هم المصدر الرئيسي والوحيد للمعلومات والتعليمات.. لا نرد ولا نشكك فيما يرد منهم.. وما يجيئنا منهم نسلم به تسليما.. ليس محل شك ولا وهم.. ثم لا اختراق.. لتلك التعليمات.. التزام تام..
حذر حيث الحذر.. وانبساط وانفتاح حيث هما..
نطل على الحياة.. من عيون الأهل.. ونسمع بآذانهم.. ونتحدث بألسنتهم..
قرص زنيم
لماذا أتحدث.. بل «أكتب» عن الكهرباء.. في «قيلولة» هي ليست لنشر المسالك الوعرة ذات التفاصيل الثقيلة التي لا تهضمها نفس القارئ في قيلولته الحارقة القائظة.. وفي صيفه اللهّاب ذي الأذناب والأنياب، وقد طمع في أن يقرأ ما يخفف ذلك اللهيب من طليّ الحديث.. وطريّ الكلام.. وعذب المعاني..؟!
فلماذا.. يا هذا.. تزيد القيظ حرارة.. والصيف لهبا.. وتحلق بأجنحة مكسورة فوق ذاك الركام المتراكم من زَبَد الحكي الكثير والممجوج في أيامنا هذه حول الكهرباء وانقطاعها.. وترشيدها.. والمحولات المتفجرة.. والحرائق المتعالية الأجراس..؟
أقول.. قول المتلمس طريقه بحذاء الجدار.. خشية الزلل: إذا كانت الكهرباء أيامنا تلك.. عيوننا التي نبصر بها.. أو أنها بعض عيوننا.. تبدد لنا ظلام الليل وتمد ساعات السهر وكفانا منها ذلك.. فإنها لم تعد في أيامنا هذه كذلك.. لم تعد مجرد سراج يبدد وحشة الظلام ويزيد مساحة الضوء في ليلنا الطويل.. ويبعث بعض الطمأنينة في نفوسنا.. ولكنها غدت كل شيء في حياتنا.. فكل أمورنا صارت بـ «الكهرباء» حتى القلوب صارت تدق وتنبض بالكهرباء.. وأموالنا غدت رهينة الكهرباء.. وكم واحد منا ذهب إلى مصرفه ليسحب بعض ماله.. فيفاجأ بمن يحول بينه وبين ماله.. .ذلك الحائل هو الكهرباء... فإن انقطعت الكهرباء.. تعطل الكمبيوتر.. وكل حلالنا ومالنا... غدا في أيدي الكمبيوتر.. حتى الطائرات تطير بأمر الكهرباء.. والمصاعد.. والسيور المتحركة.. وأوراقك الثبوتية وصوتك وصورتك.. وذكرياتك.. كلها مخزنة في قرص زنيم في قبيلة الكهرباء.. حتى ما تأكل وما تشرب هو صنيعة الكهرباء.
الأصالة والمعاصرة
في بدء إدخال الكهرباء إلى البيوت في الكويت القديمة.. مانعت والدتي رحمها الله.. في إدخالها.. متحججة، بأنها خطر.. وتقتل وهكذا سمعت من بعض الناس.. لذلك وقفت ضد أبي الذي كان ينتمي إلى «حزب» المعاصرة والتحديث والتمدين.. بينما هي ظلت على أصوليتها وأصالتها في رفض إدخال الكهرباء إلى بيتها لأنها «تقتل».. وخطر يهدد سلامة أهل البيت.. لذلك تأخرت علاقتنا بالكهرباء نتيجة ذلك الموقف المعادي للحداثة ولتقنيات العصر.
والكهرباء نفسها التي تُميت وتقتل.. وهي ـ فعلا ـ أماتت أناسا وقتلتهم لسوء التوصيلات وبدائيتها ولعدم وجود حمايات كالموجودة الآن والتي جعلت من الكهرباء ملاكا رحيما لا يقتل ولا يميت.
هذه الكهرباء القاتلة ـ حينذاك ـ مازالت حتى وقتنا الحالي قاتلة.. ولكن أسباب القتل اختلفت.. بل هي على نقيض حالتها السابقة في أسباب القتل.
الكهرباء الآن تقتل إذا انقطعت.. صار عدم وجودها هو القاتل.. لا كمثل وجودها في تلك البواكير القديمة.
شتان بين موت.. وموت.
موت يتحقق على أيدي الكهرباء القديمة كلما أمطرت السماء وبللت وصلاتها.. وتسربت المياه إلى مكان الخطر.. وحتى في غير المطر.. قد يتسرب الماء أو تنكشف التوصيلات البلاستيكية.. فيحل الموت سريعا بمن تمتد يده لمصدر من مصادر الكهرباء.
لكل ما تقدم من خطر تحمله الكهرباء.. كانت والدتي ضدها.. وضد تسربها إلى منزلنا.. ولكن أنى لها ذلك.. فالحياة تزحف.. ثم صارت تمشي.. وبعد ذلك أخذت تعدو وتركض.. وأخذ الجديد محل القديم... الذي بات اطلالا دارسة ومزارات للذكرى وذرف الدموع.
و«الحي أبقى من الميت».. و«الحي» ـ هنا ـ الحداثة والمدنية والجديد ذو اللعلعة والطنطنة والشنشنة.. أما «الميت» فهو ذلك القديم البالي المتهاوي..
لم يقتصر دور الكهرباء في البيوت على النور فقط.. فهناك الراديو الذي يسلي أهل البيت ويمتعهم ويثقفهم ويوصلهم بأطراف الدنيا كلها.. وينقل اليهم اخبار الهند والسند والانجليز والالمان والاميركان.. وكل من هم على الارض.. أو حتى في اواسط المحيطات.. وغير ذلك.. فإنهم ومن خلال الراديو يسمعون «عبداللطيف الكويتي» و«محمود الكويتي» و«عبدالله فضالة» وغيرهم من أهل الغناء والطرب في تلك السنوات.. اما جيلنا فكان يسمع «شادية» و«صباح» و«فريد الاطرش».. قبل ان يحل «عبدالحليم حافظ» في ساحة المغنى فيحتلها وحيدا على عرشه سنوات طوالا..
مش «كفاية نورك عليّ»
والكهرباء.. ايضا ليست «نورا» و«راديو».. بل هي «مروحة» تروّح عن الاجساد المكدودة التعبة، تلطف الجو، وترسل الهواء.. بدل تلك «المهاف» اليدوية التي نهف بها على وجوهنا لتجفيف عرقها ايام الصيف.. وبالذات في ايامه الرطبة والخانقة.
ولكن «النبكة» والتي هي تحريف لكلمة fan الانجليزية اي المروحة الكهربائية والتي كانت تعلق في السقف، فهي شيء آخر، بسرعاتها الخمس، تجعل كل ما في الغرفة يطير وتنسينا اننا نعيش في قيظ وحر ورطوبة، فتحت المروحة الحياة ربيع وهناء وراحة ترتاح الاجساد في قيلولتها، تنام آمنة مطمئنة لا تخشى بلل العرق.. ولا انقطاع النفس..
وكان وجود مروحة في البيت.. يعتبر محل تباهٍ وتفاخر، ودلالة غنى وجاهٍ ويسار ورغد في العيش..
ومن مواصفات البيت الجيد وجود مروحة فيه .. قد تكون مروحة واحدة في بيت تتعدد غرفه، اما إن تعددت المراوح في البيت الواحد.. فذاك ـ لعمري ـ جاه وجهجهة ونعيم ليس بعده ـ على الارض ـ من نعيم..
الملّالة
كانت المواد الغذائية التي يخشى عليها من التلف، تحفظ في البيوت الكويتية القديمة بما يسمى «الملالة» وهي مستطيل او مربع ذو حواجز خشبية واطئة الارتفاع، وغالبا ما يكون قاعه من الاسلاك المتداخلة وله رباط من خيوط لتعليقه في الحوش، او فناء المنزل المكشوف، وتحفظ به المواد السريعة التلف لزوم التهوية والحفظ من التلف.
ولم تكن هذه العملية مضمونة تماما..
وحينما حلت الكهرباء.. جلبت معها الثلاجة..
ثلاجة..؟! يالهذا الاختراع العظيم!
جهاز يثلّج المياه.. او يبرّدها.. ويحفظ الاغذية؟!
يعطيك ثلجاً ان شئت.. وكان جلب الثلج قبل ذلك مشقة وعناء، والحاجة اليه لا غنى عنها في تلك الاصياف القاتلة.. فها هي الثلاجة تحل هذه المشكلة وتجعل الثلج بإمرة اهل البيت وتحت امرهم ورهن اشارتهم..
ثم ان الماء الذي كان يحفظ في «البرمة» او «الحِب» الفخاري من اجل تبريده، وغالبا ما كان ماء «الحب» ينفد قبل ان يبرد، ولكن هذه الثلاجة تبرد لك الماء تبريدا حقيقيا وسريعا، وحمّلها ما شئت من ماء ولن تقول لك كفى.. وهذا الاكل الذي كانت تحمله «الملّالة» صار وديعة في قلب هذه الثلاجة.. وبدل الليلة الواحدة فوق الملالة فهو في الثلاجة يقيم هانئا مرتاحا طازجا اسبوعا وان شئت اكثر..
خبث الكهرباء
وهكذا تسللت الكهرباء بدهاء وذكاء الى بيوتنا، بل الى حياتنا حتى باتت لا غنى عنها..
سيدة.. كلٌّ يريد رضاها ويخشى غضبها ويخاف زمجرتها..
فلو تعطّلت.. تتعطل الدنيا..
تتوقف الطائرات والقطارات ووسائل المواصلات والاتصالات والمصارف والاسواق والمراسلات والمستشفيات..
كل الدنيا تقف.. وقد يموت من يموت سريعا.. ويموت من يموت بعده.. وكل ذلك بسبب الكهرباء التي باتت في أيامنا هذه في بلدنا هذا هرجا ومرجا وقذفا وتقاذفا ورجما بين الحكومة ومجلسها..
وزارة الكهرباء.. تشتري خواطرنا بـ «الترشيد».. وتعوّل على إخواننا الوافدين.. ان يرحلوا في إجازاتهم الصيفية الى ديارهم ليوفّروا طاقتنا الكهربائية..
كما تعوّل على «وطنيتنا» بالتعاون معها من اجل الترشيد وعدم الإهدار.. دون ان تلوّح بعقابنا إن نحن لم نستجب لنداءاتها.. ولم تتحرك فينا الغريزة الوطنية.. فنكفّ عن الإسراف والهدر في تلك الطاقة العزيزة..
في رقبة كل منا.. دين مستحق لوزارة الكهرباء.. بعضه بالعشرات وبعضه بالمئات وبعضه بآلاف الدنانير.. ورغم هذا فإن الوزارة تتوسد وسادتها الخالية وتنام متحسرة على أموالها التي في رقابنا ولا تجتبيها..
يقولون إننا نستجدي الطاقة الكهربائية من قطر.. ويعلنون هذا جهارا نهارا دون أن تتلعثم ألسنتهم أو تند جباههم عن عرق الخجل..
فكيف يكون لدى قطر.. فائض من كهرباء..؟! وعندنا شح فيها؟!
هل لأن برميل نفطنا بـ «دولار» ونفط قطر بمائة «دولار»؟!
هل تبيع «قطر» نفطا.. وغازا.. ونحن نبيع جزرا وخيارا؟!
دلوني.. يا أهل النهى عن جواب أجيب به سائلا لو سألني هذا السؤال!!
أقول قولي هذا.. وعندنا مجلس نيابي ذئابي.. لا يهرول عبثا.. ينهش اللحم ويجرش العظم.. ويسلخ بألسنة حداد من لا حصانة له سواء من وزراء الحكومة.. او حتى من المواطنين الذين لا سند وزاريا يستندون إليه.. ولا حصانة تحصنهم..
ولكن هنا المجلس.. يقف عاجزا، لا أمام حل مشكلة الكهرباء، ولكن حتى أمام مناقشتها مناقشة حقيقية موضوعية.. تساعد ـ على الأقل ـ في إيجاد جواب على ذلك السؤال.. عن سبب نقص الكهرباء في الكويت.
ومادام مجلس الأمة عاجزا عن المناقشة الموضوعية.. والحكومة عاجزة عن الحل.. فإنني وبصفتي التي يأتيها الباطل من كل صوب.. أتقدم بهذا الاقتراح لعل وعسى يساعد في التخفيف من أزمة الكهرباء..
أما اقتراحي فهو سهل.. و«يسير» على أربع.. وهو يتلخص في ان تشترط وزارة الكهرباء على كل وافد الى البلاد.. سواء كان مقيما للعمل.. او يحمل تأشيرة زيارة.. أن يأتي من بلاده و«كهرباؤه» معه! ولا تمنح له تأشيرة الزيارة أو العمل إلا بعد أن تتأكد الوزارة الموقرة من انه جاء و«كهرباؤه» معه! وبذلك الاقتراح ـ أيها السادة الكرام ـ نحل مشكلة الكهرباء ـ مؤقتا ـ أما إذا زادت أعداد الكويتيين وباتوا يهددون طاقتنا الكهربائية الناضبة.. فنخيّرهم بين أمرين.. إما أن يظلوا في الكويت دون كهرباء.. أو نصدرهم للخارج توفيرا للطاقة الكهربائية.. ويعيش مجلس الأمة.. وتعيش الحكومة «ولا حول ولا قوة إلا بالله»..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
[email protected]