- الوطنية فطرة.. لا تكسُّب
- غاسل الأموال.. مثلوم.. منبوذ.. مذموم.. مطعون..
- متــى تُغمـــد السيــوف..؟!
- امتـطِ فرسـك.. وأشهـر سيفك.. وحـارب الهواء..
- حروب الصغـار صغيـرة.. وحـروب الكبـار كبيـرة..
- لا تجيّر الوطن لخدمتك.. ولا تجعله سهماً في كنانتك
- إنهـا عثـرات البدايـة.. تقيلــك الأيـام منهــا..
يرجى ربط الأحزمة!
قد يبدو ظاهر كلامي المتهادي على السطور التالية، على غير مقصده وعلى غير ما يكتنز به باطنه.
قد لا تنبئ القشور باللب.
وقد يتسرع البعض، فيقرأه قراءة عين خطّافة تخطف الكلام خطفا، ثم ترسله الى المخ ليخزنه حسبما شاء للعين ان تعرفه.. او بالصورة التي فهمته بها.. وما هو كذلك. لذلك أنصح بالتروّي.. لا استجداء لشيء.. ولكن من اجل خدمة الحقيقة.. وهي جديرة بأن نكون كلنا خدامها.. وهي حقيقة بذلك. من الخطأ الجسيم.. ربط الوطنية بالعمل السياسي.. وحكره في سجون السياسة او في ايجاد متلازمة وتآخ وتوأمة بين الوطنية والعمل السياسي.. وتقييم كل من يعمل بالسياسة بأنه وطني او انه وطني واخفق.. أو انه ليس وطنيا.
ارى ان موطن الوطنية الحقيقي، يكمن في الانسان نفسه، في ذاته وفكره وداخل بدنه.. فإن صلح هذا البدن بمحتواه الفكري، يكن صاحب هذا البدن وطنيا.
اي ان وطنيتك تولد فيك وتعيش داخلك.. فلا تبحث لها عن عنوان آخر.. او مساحة اخرى ترفع فيها لافتتك الوطنية.. وتقول هأنذا وطني يا قوم.. ثم تقوم بجمع حصى.. ترجم بها خصوما لك انت خلقتهم.. وجعلتهم في موقع مضاد لـ «وطنيتك». تغلي ساحتنا السياسية ومنذ مدة ليست وجيزة بالعراك السياسي والصخب والضجة والتقاذف والتلاوم والتحزب.. وفي كل يوم يهل علينا «بطل» و«شهيد» للحرية.. فيتقاطر المتحنجرون بحناجرهم والمصفقون بأكفهم والمطبلون بطبولهم من كل حدب وصوب يعلنون الولاء لهذا الـ «بطل» وهذا الوطني الغيور الذي ضحى بحريته في سبيل وطنه.. وحملته الايام «شهيدا» على زنودها اليابسة!
وطني.. لا وطني
أضيف الى فهمي او تعريفي للمواطنة.. او للـ «وطنية» مفهوما آخر، وهو احترام القواعد العامة والانظمة والقوانين.. فالذي يخرق قانون المرور مثله مثل من يزوّر ويرتشي ويكذب ويسرق.. فكلهم غير «وطنيين» وخونة للوطن لانهم لم يحترموا قوانينه ولا انظمته العامة.. ولا حقوق الناس فيه، فضلا عن الاساءة الى سمعته.
وهذا مفهوم واسع للوطنية قد يشق فهمه على «وطنيي» العصر الحديث والذين لا يرون «الوطنية» الا في النزق والعنف اللفظي او حتى الجسدي! وبقدر ما يمتلئ الفم بالسباب والتخوين والتشكيك والكذب والادعاء والزور والبهتان، يكون حجم الوطنية.
اذن الوطنية في هذا المفهوم تكمن بحجم الفم.. وبقدرة اللسان على اللوك في مناطق يجرمها القانون..
والملاحظ.. ايضا ان «الوطنية» هذه الايام تتجه صوب معاداة سمو رئيس الوزراء.. فالذين هم على خصومة معه.. هم الوطنيون.. اما الذين لا يخاصمونه فهم غير ذلك.
لا بأس.. وهذه الكتابة.. ليست دفاعا عن رئيس الوزراء.. بل انا في كثير مما اكتب اوجه اللوم القاسي للحكومة على ادائها ـ لا على «بدلات» وزرائها.. أو «تاييرات» وزيرتها ـ والحكومة هي اكبر مكون في هذا الوطن قابل للطعن والنقد وسوء الظن في اعمالها! ولكن الامر يجب ان يتوقف عند هذا الحد.. اما ان يتم التطاول على شخص رئيس الوزراء.. وباتهامات هي جارحة لكل انسان مهما تدنت درجته في المجتمع، أو كان من العامة أو «غثاء السيل»، فذلك أمر غير مقبول بل ومرفوض ـ وطنيا ـ لأن وطنيتنا الحقيقية يجب أن تجعلنا مدافعين عن مواطنينا لا مشككين فيهم أو متهمين إياهم تهما جارحة ومتطاولين عليهم دون أدلة وبراهين!
فمن يقبل منا جميعا أن يتهم بجريمة «غسل الأموال» وهي جريمة تمسّ الشرف وتثلم مسانده وتنكس رأس حاملها بين أهله وعشيرته.. فيصير منبوذا مذموما مطعونا بشرفه؟!
فكيف يوجه مثل هذا الاتهام إلى ثالث رؤوس البلاد ورئيس حكومتها وعين من أعيانها.. إن بشخصه أو بمنصبه؟!
هذه الأقوال الطائشة.. يجب ألا تصنع «بطلا» في عين أحد ولا تجلجل قوما وتنزعهم من مكان إلى مكان يحملون عقائرهم.. وتتبارى ألسنتهم في تمجيد من ضل وطاش وطار به الحماس وجمْعُ الناس المصفقين.
هل يتحمل أحد منا أن توجه إليه تهمة بمثل هذا الحجم المهول الفظيع.. حتى وإن كان وضعه في مجتمعه وضع «خردلة في الإسلام».. ليس ذا شأن ولا مكانة؟!
الألسنة كلها ستجيب إجابة واحدة: «لا».
إذن.. لماذا يرى البعض من «وطنيي» المرحلة أن يسكت رئيس الوزراء ويقبل هذه التهمة.. ويصدقها القوم.. فينظروا لرئيس وزرائهم.. متهما ومجرما تأكد جرمه.. وفاحت فضائحه.. والدليل أنه لم يسع إلى تبرئة نفسه ومقاضاة من اتهمه؟!
لا أدري أين تكمن الجريمة؟!
هل فيمن وجه الاتهام دون بينة؟!
أم في سعي رئيس الوزراء إلى القضاء للدفاع عن نفسه وإبراء ذمته من تلك التهمة الشنيعة؟!
أم في حكم القضاء الذي صدر بإدانة المتقوّل على رئيس الوزراء؟!
ولقد صنف ذلك الشاب الذي اتهم رئيس الوزراء.. صنف نفسه بأنه يقدم حرية وطنه.. على حريته الخاصة.. ولا يهمه السجن ما دام في سبيل حرية الوطن.
وذلك ـ لعمري ـ أمر يجعلني أجلّ هذا الشاب وأنحني لقوله.. ولكن أين التطبيق الفعلي.. لذلك القول اللفظي؟! هل صال هذا الشاب وجال.. في ساحة الحريات الوطنية؟
هل أشهر سيفه منافحا عن تلك الحريات؟
ألا يرى البلاد مملوءة بالقوانين المقيدة للحريات والمخالفة للفطرة الإنسانية ولمواد الدستور؟!
فأين هو من تلك الحرب المقدسة والتي يعتبر خوضها فرض عين على كل مواطن حر وشريف.. أو قد يكون صال وجال، وفي ذلك يستحق منا الشكر والانحناء وخلع صفة «البطولة» عليه.
هذه هي حربنا الحقيقية يا «بني».. حرب من أجل الوطن.. وحرب من أجل حرياتنا المسلوبة.. والتي ساهم في سلبها مناصروك ومؤيدوك ومؤازروك وحاملوك على أكتافهم.. والذين يزينون لك السجن ويدفعونك إليه دفعا، بينما هم حابسو الحريات الحقيقية!
حرب من أجل الكويت.. لا أرى أحدا يخوضها.. الكل عندها يغمد سيفه.. ويصلي صلاة الشكر.. أما حرب طواحين الهواء.. فكل يمتطي فرسه ويشهر سيفه لخوضها!
الحروب الصغيرة
إن حربنا ليست مع «رئيس الوزراء».. حتى نختلق له تهما لا نستطيع إثباتها.. بل حربنا معه ومع حكومته.. في عدم إلغائها القوانين المقيدة للحريات... وفي خنوعها المذل وخضوعها المنكسر أمام تيار التخلف والتسلط والعبودية.. والذي نتج عنه هذا السجن الكبير الذي اسمه «الكويت».
وضمن هذا التيار يقف جلّ مناصريك من أجل «الحرية»!
إن الحروب الصغيرة.. هي شغل الناس الصغار وشاغلهم.. ونحن لا نريد لشبابنا الصغار في أعمارهم.. أن يكونوا صغارا في حروبهم.. وفيما يرنون إليه من صغائر قد تجعلهم اليوم نجوما.. ولكن سرعان ما تهوي النجوم وتخفت وتسقط.. وينسى الناس يوما انها كانت معلقة ذات ليلة في سمائهم.
الطريق إلى جهنم
إن الخصومة في الوطنية.. هي خصومة من أجل الوطن..
وإن من الوطنية.. أن يرفع المرء من قدر خصمه.. لا أن يحطه..
وإن الوطنية فضيلة في النفس الكبيرة.. لا تخضع للهوى ولا لعنفوان الشباب وزهوته وفتوته..
والفضيلة في ان نتبع الحق.. ونسعى جميعا في خدمته.. وألا تؤثر فينا أو علينا تلك الجموع التي دفعها الفراغ وحسن النية وسوء الفهم إلى المؤازرة والتشجيع والمناصرة..
فالمؤازرة في الباطل.. طريق ممهد إلى جهنم..
والتشجيع في الضلال.. تيه وجنوح.. والمناصرة في التهييج.. طعنة نجلاء في قلب الوطن..
إن الحق.. أحق أن يتبع
وإن من الحق.. أن يدرك الإنسان زلته وخطأه وسوء مسلكه.. فيتراجع عنه.. بإباء وشمم.. لا أن يستمر في غيه وبإصرار مجنون على المضي قدما في طريق الخطأ والزلل.. مدفوعا بتزيين شياطين الانس طريقه الوعر الذي سلكه ظنا منه ان هذا هو طريق الوطنية.. والشياطين تصفق من حوله وتبارك وتعاضد وتؤازر.. حتى إذا ما اودع المسكين السجن وأكلته الوحدة.. اعتلوا هم متون مراكبهم الطيارة الى حيث الخضرة والماء والوجه الحسن.. والمناخ البارد واللقمة الهنيئة.
مجرد سهم في كنانته
إنك يا «ولدي» بحاجة الى من يرشدك.. ويخفف من غلواء الانفعالات في نفسك الجامحة الطامحة الى الخير ان شاء الله.. وليس ذلك موضع شك.. ولكن اختيار الطريق وانتهاج الطريقة.. هما الخطأ.
فلتوجه بوصلتك ومعك مجايلوك من شباننا الوجهة الوطنية الصحيحة.. والكويت ـ الوطن ـ ليست في خصومة مع رئيس الوزراء.. ولا تكمن «الوطنية» في اتهامه بالباطل تهما أبطلها القضاء.. فلِمَ الجأر بالشكوى.. وشق الجيوب ولطم الخدود والتحسر على الوطن؟!
إن الذي يحاول أن يجعل من قضيته الفردية.. قضية وطنية عامة.. إنما هو يجيّر الوطن في خدمته.. ويجعله سهما في كنانته.. مجرد سهم يضرب به كل خصم خاصمه.
وللخصومة ـ يا ولدي ـ قياسات ومقاييس وتكافؤ استوائي بين الخصوم وإلا فهي خصومة متعمدة كيدية يروم منها المخاصم صيد مكاسب عابرة تصب في صالحه لا في صالح أمته.. وهذا ما يوجب على الأمة الانتباه إليه والتفريق بين صاعد يصعّد نجمه وباذل نفسه في سبيل أمته.. فلا تسير في مواكب الأول تدفعه الى المزيد من الزلل.. وتزين له ما هو صائر إليه.. وسائر فيه.. أما الثاني ـ الباذل نفسه ـ فهو الذي يتعين على الأمة تعضيده ومناصرته.. لأنه شخص بأمة.. بينما الآخر.. اختصر الأمة في شخصه.. وحولها الى جنود يتمترس وراء أجسادهم.
كن بيرقاً للحقيقة
لا نريد لزهرات الوطن ان تذبل في السجون.. وان تعتمس سراجاتها في غياهبها..
بل نريدها بهية روية ريانة في حدائق الوطن.. ونريدها اسوارا تحوط الوطن بصدورها وبثاقب فكرها وسلامة عقلها وحسن مقصدها.
وما فرحة أبويك بك.. ساعة مقدمك الى الدنيا.. إلا ان تكون رافدا طيبة سواقيه.. صافية منابعه.. حتى تزهر بين عيونها.. وكي تقرّ بك تلك العيون الناظرة الى يوم يستوي فيه عودك على صارية الحق.. بيرقا للحقيقة.
وما أظن تلك العيون.. إلا قرت وبردت ولمعت بدموع الفرح.. وهي تراك شابا يافعا ناشطا عفيا تقلب كوامن البلاد وتحرك سواكنها وفي شرايينك دماء حارة ساخنة لا تبرد.. تريد الخير لأم وأمة تباهتا بك.. وفرحتا لنجابتك.. ولأب وشعب حضناك وليدا.. ورعيا خطوك.
فلا تخيّب من حمّلك رجاءه.. إرضاء لنفوس تتعطش إلى الخراب.. ولا تطفئ لمعة حرابها الا دماء الأقربين.
نحن أهلك.. وعشيرتك الأقربون.. نحن أهل النفوس الطيبة والقلوب النقية والعيون الشاخصة الى هذا الوطن بخوف ووجل.. نحن ترانا - وقد لا ترانا - في كل بقعة في هذا الوطن.. وفي كل ملة.. وفي كل عرق من أعراقها.
نحن منتشرون في كل الوطن الكويتي.. ولكننا لا نحمل طبولا.. وتخلو أيدينا من صاجات الراقصات في الأعراس والملاهي.. ولا ترتفع أصواتنا في الصخب والضجيج.
نحن الذين زرعنا الأنفة في النفوس.. والرؤوس نرفعها حتى لا تنحني اذلالاً لأحد..
نحن الوارثون نهمة النهام.. وحداء حادي العيس في صحرائنا.. نحن وارثو الكويت التي لم تخضعها سيوف الغزاة.. ولم ترهبها خيلهم..
ونحن نسل الكويتيين.. أولئك الذين صنعوا الكويت.. وأودعوها أمانة في أيدينا.. لا نريد ان نضيّعها.. أو ان نزفها في أعراس حزينة.. وان علا فيها صوت الطبل والمزمار..
تلك أعراس اغتصاب.. ولا أريد لك ان تكون معرسا في تلك الأعراس الغاصبة.
أخطاء البداية
وان كان ثمة ما اختم به حديث القلب هذا.. فهو فرحي بوجود مثلك في بلادنا من الشبان المجتهدين المتحركين الناشطين والذين لسعتهم نار العبودية المستعرة في بلادنا.. فسرت في أجسادهم الشهامة والنخوة والحماسة لنصرة وطنهم. فذلك ما يستوجب التعبير عنه بفرح.. حتى وان كانت الوسيلة أو التوجه خطأ في هذا المسعى أو في هذه القضية بالذات، ولكن ذلك من أخطاء البداية التي لابد منها.. وانها لعثرة تقيلك الأيام منها.. وتضعك على الطريق الصحيح والمسار السليم.. وانني لواثق من ذلك.
نصر حامد أبوزيد..
زرع نجمة ورحل..
[email protected]