أتمنى للبنان ما تمنى له سابقا المفكر الراحل الاستاذ «عبدالله القصيمي».. «مزيدا من الحضارة ونقصانا في العروبة»، وأزيد في أمنيتي على أمنية أستاذنا «القصيمي»، فأقول: «وتخلصا من العروبة»!
داء لبنان الاول والاخير هو العروبة التي لو استطاع التحلل منها فسيتعافى من كل جراحاته، وعثراته وسقطاته، سيتعافى ويشفى من وهنه وسقمه وعلله! سيخرج من غرفة العناية المركزة، أو الفائقة، التي ما برحها منذ عقود أربعة من السنين، إلى الشمس والهواء والنور والعافية! سيقفز قفزا وسيقطع البحار والمحيطات، ويحقق أعلى الجوائز في أصعب المسابقات!
وإن لم يبادر اللبنانيون الى التخلص من داء العروبة، فسيفقدون ما تبقى في جسد بلادهم من بصيص عافية!
مشاكل لبنان كلها وبلاياه ورزاياه، هي نتيجة تعرضه لصدمة «عربية»! وهي من أخطر الصدمات على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية التي تصاب بها البلدان، وحتى الافراد، الا الذين فتحوا دكاكين يبيعون فيها العروبة بالكيلو والقنطار، ـ حسب حاجة الزبون ـ وهؤلاء الباعة، يوجد منهم كثيرون في لبنان وبالذات في صحفه وفضائياته وأحزابه، ويوجد لديهم خدمة التوصيل الخارجي، ولكن ليس مجانيا، بكل تأكيد، لان العروبة غالية، وتوصيلها أغلى!
وإن لم يقطع لبنان لسان كل فرد من أبنائه ـ ذكرا أو أنثى ـ من المتحدثين عن العروبة وحسنها وحسناتها، فلن يغادر سرير مرضه، ولن يخرج إلى دائرة العافية! ولابد من ملاحظة أن اللبنانيين الذين يتشدقون بالعروبة، ويدافعون عن عروبة لبنان، هم في أغلبهم من راكبي السيارات الفخمة، والذين لا تمر مناسبة عربية إلا وهم على رأس المدعوين، يحتلون مقاعد الدرجة الاولى في الطائرات، ويسكنون أفخم الاجنحة في فنادق النجوم «الخمس» وأحيانا «السبع»!
والعروبة ليست داء لبنان وحده، بل هي علة كل بلد عربي، وكلما زادت كمية العروبة في بلد ما، زادت أوجاعه وتضعضعت صحته وتكاثرت أسقامه، وزاد تخلفه، وكثر فيه التطاحن والشقاق وتفرق أهله، ودخل في حومة الجهل و«كومة» لا يفيق منها مهما تقاطر عليه عباقرة الطب لان الموتى لا يحيون الا «يوم يبعثون»!
فيا لبنان حقق أمنية أستاذنا «القصيمي» بأن «تعيش الحضارة وتتكلم عن العروبة، لا أن تعيش العروبة وتتكلم عن الحضارة»!
[email protected]