صالح الشايجي
البالغون من العمر عتيا، وربما انا منهم او قريب منهم - لا ادري متى يكون العمر عتيا - هؤلاء او نحن، نرى ان زماننا هو الزمن الجميل! وليس المقصود بزماننا ما نعيشه الآن، بل ما عشناه سابقا في طفولتنا وصبانا وشبابنا!
نرى طفولتنا اجمل الدهر، بسيطة هانئة، يسرنا القليل لعدم وجود الكثير، وآنات في الجيب، تقل عن «روبية» واحدة، نعتبرها ثروة تبزّ في مفعولها ثروة «بل غيتس»، «السكة» هي ملعبنا، والمترف فينا وابن الذوات هو من كان لديه «درباحة»، ومن يأكل «الرهش» و«الحلوى» كمن افطر على مائدة «المن والسلوى».
ونرى في صبانا يفاعة الدهر وعنفوانه، وانه مساحة بيضاء يشوبها اللون الوردي وموشاة بالاخضر الزاهر. كل منا يرى نفسه «عبدالحليم حافظ» ويرى في محبوبته «مريم فخر الدين» يبثها رسائل الشوق و«بتلوموني ليه» و«الشعر الحرير على الخدود يهفهف ويرجع يطير»، قصص حبنا مختومة بختم الفشل السريع، ومع هذا لا نتوقف عن «الحب» ولا مشاهدة الافلام في سينما «حولي الصيفي» او «الشرقية» او «الحمراء» و«الفردوس». «شكري سرحان» و«كمال الشناوي» و«عمر الشريف» و«فاتن حمامة» و«لبنى عبدالعزيز» كانوا ينامون في اخيلتنا، «اسماعيل ياسين» و«النابلسي» و«القصري» و«حسن فايق» مخازننا التي نجمع فيها ذخيرة الضحك!
نرى في شبابنا التوهج القومي والانفتاح وبداية بناء الدولة والوطن الحديث، «شادي الخليج» و«احبه حبيبي» و«عوض دوخي» نرى في صوته «بنات الحي» نرسمهن كما نشتهي، وكان «سعود الراشد» ساعي بريد لنا و«رسول الزين»! حفلات سينما الاندلس والترويح السياحي وفرقة «البولشوي» و«الانوار» وصباح وفيروز وكل الكل يمطر في سماء شبابنا!
نرى زماننا هو الزمن الجميل، فهل هذا الزمان الذي ليس بزماننا قبيح او بشع او ناقص جمال؟! زمن فيه الانترنت، ترى فيه وتكلم خليلك او خليلتك، حتى وان كانا من رواد الفضاء ويحلان في السماء السابعة! وتقلب فيه محطات التلفزيون في انحاء العالم كافة، بلمسة زر تنتقل من الصين الى اميركا! تعيش تحت مكيف الهواء وتنام على افضل الاسرّة، وتتعدد امامك اصناف الطعام، زمن الطب فيه تقدم واختفى فيه كثير من الامراض، والنساء فيه صرن اجمل ونحن الرجال ايضا صرنا نزاحم في عالم الجمال! تلتفت فترى «اليسا» و«نانسي» ومثيلاتهما في عالم الجمال الصارخ وغير المعقول! الـ «مولات» مليئة بالجمال في المأكل والملبس والمشرب والمنظر! نسوة تتهافت عليك من عالم الجمال مسيجات بعبارة «ممنوع اللمس»! كل هذا في هذا الزمن، فهل منا من يزعم ان زماننا كان هو «الزمن الجميل»؟!