-
على نشطاء المجتمع المدني ألا يشغلو أنفسهم بالتفاهات والسفاهات والبالونات الهوائية
-
لابد من الالتفات إلى أهمية إحياء الفكر الحر المدني
-
واضعو خطوط الحلال والحرام هدفهم السيطرة على عقول البسطاء
-
شر عباد الله من جعل الدين مطية إلى الدنيا
كتبت «زرع نجمة ورحل»..
المقصود بالزارع الراحل هو «نصر حامد أبوزيد»..
هو زرع نجمة، في حديقة مزروعة.. نجوما..
زرّاعها كثر.. ونجومها كثيرة.. هي نجوم تهدي باغي الهداية..
نجوم من كلمات.. مزروعة في حدائق العقل..
ولكن، ويل للزارعين، وويل للقارئين.. فالزارع كافر..والقارئ يساويه في كفره!
> > >
القرب إلى الله
هل يحق لإنسان أن يعتبر نفسه أقرب إلى الله من إنسان آخر؟ وكيف عرف ذاك الانسان هذه الدرجة من القرب؟ وكيف استطاع تحديد تلك المسافة؟ أليس الانسان صاحب هذا الادعاء، أكفر من الآخر المتهم بالكفر أو البعد عن الله، الذي أجاب إجابة قطعية، لا تخصه هو، وتدخل في أمور الالوهية التي جعلت البشر أجمعين، على سوية مكانية واحدة، ومسافة واحدة، في القرب من الله؟ إلا الأنبياء ومن اختارهم لتوصيل رسالاته إلى البشر، وهنا يتجسد العدل الإلهي، ولا أظن أن هناك من يجادل في ذلك!
> > >
الصوت الديني!
أقول ذلك وأنا على يقين، أننا نعيش زمنا، سطوة الصوت الديني فيه هي الغالبة والمسموعة والمطاعة، ولكن أي صوت ديني ذاك؟ إنه الصوت الذي يريد صاحبه أن يطلقه، تخفيفا لمعاناة، أو تخلصا من ضائقة وتحللا من عقدة مهينة، إنه بمنتهى البساطة ـ وبعيدا عن البلاغة والعبث باللغة ـ الصوت الديني الذي جعل الدين كائنا زجاجيا، يخشى عليه الكسر، لمجرد مرور نسمة بجانبه، ولكن هل هذا هو الدين؟ وهل الدين حكر على جماعة دون جماعة؟ وعلى فئة دون أخرى؟
> > >
فتاوى
ألم يفتِ مفتٍ بأن كشف المرأة شعرها ونحرها، أمام امرأة أخرى، حرام؟! وأمَا أفتى آخر برضاعة الكبير؟! وثالث بحرمة الغناء؟! ورابع بحله؟! وخامس بحرمة الصلاة وراء من أباح الغناء وحلله؟! أليس ما يقوم به سفهاء الدين في بلادنا من عسر الدولة المدنية لتمشي عوجا على السراط الديني، هو ضرب من الجنون غير المحتمل؟! وأليس الزجر والنهي وتحريم ورود موارد الفكر، خوفا على العقيدة وتحصينا لها، هو بكل بساطة نظرة للدين باعتباره كائنا زجاجيا؟!
ولا أريد، أو انني لا أحتاج إلى الدخول في غياهب أفعال «بن لادن» وقاعدته، وما يجري في العراق والصومال واليمن، وغيرها من أصقاع الارض المبتلاة بالمهووسين بالدين الذين أوصلهم هوسهم الديني الى الكفر الصراح! لا أحتاج إلى ذلك للتدليل على المأزق الديني الذي نعيشه.
> > >
سيوف التحريم
لا أدري كيف انسقت إلى هذه المقدمة، وهي من نافل القول وزائده. وما كنت أريد نفل النافل، ولا زيادة الزائد، ولكنما هدفت إلى أن أصب هذه الكلمات في وعاء يأنف الكثيرون من الدنو منه، خشية من سيوف التحريم التي باتت تتبادلها أيدي السفهاء، وكلما كلت يد أو تعبت حملتها يد مرتاحة!
> > >
كفاية الأحزان
لست أفتح سجل عزاء في «نصر حامد أبوزيد»، ولا أنكس الأعلام لموته، ولا أرفع الرايات السود، حزنا عليه، فعندي من أحزاني ما يكفيني، وكل ما يربطني به كتاب واحد من كتبه قرأته، ولم أر فيه ما رآه الآخرون! وبيني وبين الرجل مسافة، يقف هو فيها موقفا من مناهضيه، أقرب من موقفي أنا منهم.
ولكنني رأيت في «أبي زيد» مدخلا إلى هذا العالم الذي ينظر إليه البعض، بعيون الخوف والريبة والتشكيك، لأن زراع الخوف وحملة السياط بثوا في نفوس ذلك البعض، الرعب والخوف والشك والوساوس حتى يضمنوا فرادتهم في الساحة، ودوي صوتهم الواحد الذي لا يريدون له منافسا ينزع منهم حق السيطرة على القطيع، ويكسر عصاهم التي يهشون بها، ولهم فيها «مآرب أخرى»!
في حقل الفكر التنويري، الفكر المجاهد المكافح، الذي رحل عنه أخيرا «نصر حامد أبوزيد» كثيرون قديما وحديثا زرعوا فيه نجوما لا تخبو، لانزال نراها، رغم تعاقب القرون والعقود والسنين عليها.
في هذا الموكب المجاهد، نرى كوكبة من المجاهدين، «جمال الدين الافغاني»، «الشيخ محمد عبده»، «علي عبدالرازق»، «طه حسين»، «عبدالله القصيمي»، «صادق جلال العظم»، «جمال البنا»، «أحمد صبحي منصور»، و«خليل عبدالكريم»، ولست بهذا التعديد أحصي حملة المشاعل وزراع النور في حدائق العقل المجدبة، ولكنني بتلك الاسماء أمثل ولا أحصي!
أتوقف في محطة «خليل عبدالكريم»، هذا الرجل الامين الفقير البائس. هذا الرجل أعطى دنياه وما أخذ منها! مات فقيرا ملفوفا بلفائف الفقر والمرض والعوز، ولكن ما هي جريمته التي اقترفها حتى صار كذلك؟!
لقد انكب الرجل على أمهات الكتب الاسلامية، وراح ينبش في قلب الحقيقة التي تنبض بها قلوب تلك «الامهات»، وراح ينشرها، ويقول للناس المسلمين: تعالوا إلى تحت سقف دينكم الصحيح، وهذه كتبه الصحيحة، لا ما أنتم فيه من زيف صبه في عقولكم من جعلوا الدين سوقا للمرابح والغنائم!
هو لم يقل ذلك ولم ينازع ذوي العروش عروشهم، ولم ينزع تاجا عن رأس سلطان من سلاطين الدين الذين أثروا حتى زاغت عن الحق وصحيح الدين أبصارهم وبصائرهم، والذين كيفوا الدين بما يحقق لهم تمام سلطانهم وتسلطهم، على قطعان سائبة، تخاف ولا تدري من أي شيء تخاف.
فكان «خليل» مثل حامل «الفنار» للسفن الضالة، يرشدها إلى المرسى الصحيح الآمن.
ولكن!
> > >
إبليس إن ابتطن
لست أفتح هذه الصفحة وأقلب تلك الصفحات لأنبش رميم عظام أصحابها المتوفين، حتى أُولوِل عليهم، ولا لأرصّع صدور الاحياء منهم بالنياشين رغم أحقيتهم ولكن لأنني لست صاحب نياشين، ولا حقيق بها، ولكنما قصدت من ذلك، أن أجهر بالحق وعيني وقلبي على أهلي وعشيرتي والطيبين والأتقياء والانقياء من أبناء الامة الذين سلموا أفئدتهم وعقولهم للباطشين باسم الدين والحاملين سيوفه، ومن أتباعهم المرتزقة والباحثين في طهر الدين عن لقمة الحرام، وما أكثرهم في بلادنا!
إن شر عباد الله هم الذين يجعلون الدين مطية يمتطونها إلى دنيا يصيبون منها مالاً وجاهاً وسلطاناً، ولا يغرنكم معسول حديثهم وتقوى ألسنتهم، وتكبيراتهم وبسملاتهم وكثرة استغفاراتهم، وما تلك إلا من أساليب المخادعة والترويج الظاهري، أما ما يبطنون، فهو ما لن يبتطنه «إبليس» لو ابتطن!
> > >
سهامي؟ إنها طائشة!
كما أنني لست في وارد تحطيم ممالك أولئك المضللين الشهوانيين الغرائزيين أهل المعاصي وحملة الذنوب الكثيرة، فأنا أدري، ثم أدري، أن سهامي طائشة، وأنهم محصنون، بحمايات وقرارات وقوانين وضعية، ويختبئون وراء ستائر الجهل، ويستقوون بالحكومة التي صيرتهم خناجر في خواصرها الرخوة، حتى أدمنتهم، وعودت خواصرها لكز خناجرهم!
أدري أني أقل من أن أسقط عجفاء من تمرهم، ولكنني وما دمت قادرا على القول، فإن مهمتي أن أقول لا ذماً بهم، وهم أهل للذم، بل أقول إطراء وتمجيدا لحملة مشاعل التنوير ممن ورد ذكرهم، وممن لم يرد لهم ذكر في مقالتي هذه، فضلا عن الدخول في مناطق، من حقي أن أدخلها، رغم أنوف اولئك المدلسين الذين جعلوا لنا خطوط حلال وخطوط حرام، حتى سيطروا على عقول البسطاء ببهتانهم، لا ببرهانهم، فليسوا هم صناع الدين ولا أتباعه، لهم دينهم الذي به يغنمون، ونحن أحرار في علاقتنا بالدين وفي فهمه وكيفية تطبيق ما نؤمن به، فلا وصاية في الدين، حتى الايمان والكفر جعلهما الله اختيارا للانسان، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وحساب الكفر والايمان، إلهي لا بشري، وأخروي لا دنيوي، وليس من حق أحد أن يحاسب مخلوقا مثله على دينه، ولا أن يفرض عليه أمرا يتعلق بالدين، بل إنه ليس من حق الدولة أن تفرض رؤيتها للدين على أحد ممن يعيشون على أرضها ويخضعون لقوانينها وسلطانها!
> > >
نماذج من محاسنهم
إن الفضائح التي تصدر عن اولئك الموصومين بالعار، يندى لها جبين الارض، وتهتز لهولها السماء، فكم من غلام لوثوه، وكم من فتاة عاثوا بعفافها، وكم من أرملة زينوا لها الحرام في مخادعهم «الحلال»، وكم من امرأة باتت حليلة لأحد منهم فسامها العذاب وكواها بالنار وهمّ بقتلها من دبر، وكلما فرت من الموت طار إليها لولا أن رحمة ربها أدركتها!
حتى النفس التي حرم الله قتلها، قتلوها بسياط الشعوذة وإخراج الجن من الجسد الذي يحملها!
وجرائمهم تلك كلها مغفورة، وتعجز يد العقاب الدنيا عن أن تنال منهم، لأنهم محصنون، بل وفوق ذلك الجرم الواضح والجلي كله، يكافأون بالمناصب والمراكز، وتفتح لهم الشاشات ليبيعوا علقمهم، على الناشئة!
> > >
تمايز بشري
أحببت أن أختم مقالتي هذه، بما يوجبه عليّ ضميري الانساني ـ أولا ـ وضميري المهني ـ ثانيا ـ وذلك بالتنويه والاشادة والشكر لكوكبة المجاهدين المناضلين في ساحة العقل السليم والتفكير القويم ممن أوردت أسماءهم وغيرهم، والذين شمخوا برؤوسهم عالية، رغم سيوف الضلال التي تحيط برقابهم، يلوّح بها أولئك الظلمة الظالمون الظلاميّون أعداء الشمس والنور، الراسفون في أغلال الجهل والعقم الفكري، والذين تواطأ الدهر وتدنى، ليصير هؤلاء هم سادته!
وإن على نشطاء المجتمع المدني، الالتفات إلى أهمية إحياء الفكر الحر المستقل المدني، الذي يؤمن بسيادة الدولة المدنية، وإلغاء خرافة «الدولة الدينية»، وهي خرافة فعلا لأن الدولة جماد، والأديان لم تتنزل لإصلاح الجماد أو تحريكه، بل إنها جاءت لأجل البشر، وهي خاصة بالفرد الانساني وبقدر ما يستوعبه عقله منها، وما تستطيع قدراته على الايمان بها، أو تنفيذ تعليماتها والبشر ـ كما هو معروف ـ ليسوا على سوية فكرية ونفسية واحدة، حتى يتمكنوا من الالتزام الجدي والموحد، بالامور الدينية وهذا ما يلغي أسطورة «الدولة الدينية» ويؤكد كونها خرافة من اختراع الجماعات الدينية، ليكونوا هم الاجدر بحكم المجتمعات والدول والسيطرة عليها، بحكم «فهمهم» للدين، مثلما يرون هم أنفسهم.
لذلك فإنني أتمنى لو صب الناشطون المدنيون جهودهم نحو هذا المفهوم، وأكدوه في ممارساتهم وأنشطتهم، دون الاحتكاك المباشر بمن نصّبوا أنفسهم أولياء علينا ونحن ساعدناهم على ذلك بتراخينا واستسلاماتنا المذلة لكل ما يقررونه من خلال مجلسهم «مجلس الامة»، وحكومتهم، دون أن نحاول أن يكون لنا صوت رافض ثم فعل رافض، بإعلان العصيان وعدم تنفيذ ما يقررونه من قرارات، وما يسنونه من قوانين تقوض مفهوم الدولة المدنية، وتتعارض مع الدستور.
> > >
هذا ما لزم
هذا ما يتعين على الجادين من نشطاء المجتمع المدني فعله، وألا يشغلوا أنفسهم بالتفاهات والسفاهات والبالونات الهوائية التي تملأ ساحاتنا ضجيجا، فينخدعوا بها ويركضوا وراء سراباتها، ظانين أن في هواء تلك البالونات تكمن الازمة.
إن الصراع ليس على من يملك البالون ويملأه بالهواء، إن الازمة الكويتية الحقيقية تكمن في غياب منهج فكري مجتمعي واضح، يجعلنا نحن سكان هذه البلاد جديرين بالحياة، ويجعل من ثمَّ بلادنا جديرة بأن تكون على الخارطة.
[email protected]