- «نادية وعادل» تحكمهما عقدة نفسية تجعلهما يلجآن إلى الخيال السينمائي
- «غوار الطوشة» شخصية فذة ابتكرتها عقلية فنية تعرف الفن الكوميدي الحقيقي
- أبلغنــي أحــد مفسـري الأحلام بأنني سأصبح عضواً في مجلس الأمـة قريبـاً
- فيلم زهايمر لا يصلح إلا للأطفال
بشاعة الحقيقة
ما أبشع ان نرى الحقيقة كاملة..
اننا نكذب.. إذ نطلب معرفة الحقيقة كاملة..
لأن الحقيقة الكاملة.. بشاعة كاملة..
ان نصف الحقيقة.. أجمل من كلها..
وربعها.. أجمل من نصفها..
وغيابها كاملة.. أجمل من ربعها..
ان الحقائق.. بشاعات صادقة..
لا يسعى اليها أحد.. لأن لا أحد يسعى وراء البشاعة..
ولكن.. من منّا يملك شجاعة الاعتراف؟
لا أظن أحدا.. يملكها
ان الحقيقة.. هزيمة..
وان الهزيمة.. هي الحقيقة التي لا يسعى اليها أحد..
ذات الرجع والصدع
لا أريد ان أبدو متربصا بالممثل «عادل إمام» متصيدا زلاته وأخطاءه وهفواته السينمائية، وأنا الذي لا ناقة لي في فن السينما ولا جمل، ولكن لاعتبار ان السينما هذه أداة من أدوات المتعة، وان من يختلف الى دارها، قاصد التعلّم والمتعة، فإن الحكي فيها ـ والحال هذه ـ حق لكل مشاهد خرج من داره قاصدا دارها.
وأنا من الذين لا يرتادون دور السينما كثيرا، ولا يهزني اليها الا نوادرها وأفلامها ذات الرجع والصدع، وفي رأيي ان أفلام «عادل إمام» هي من تلك الطائفة من الأفلام، وهذا ما يهزني اليها اذا كانت الظروف مواتية والتنقل سهلا والأمور ميسرة.
أما الأفلام الأجنبية والناطقة بغير العربية، فلست من أهلها ولا من عشيرتها، لا لشيء او لسوء يعتورها، ولكن لقصور فيّ أنا ولعجزي في لغتها وعدم تمكني من قراءة الترجمة المكتوبة أسفل الشاشة بصورة صحيحة، ما يعوق استمتاعي بمشاهدة الفيلم، هو ذاك الذي يقف حائلا بيني وبينها ويقيم سدود المقاطعة.
ومنذ فيلم «عمارة يعقوبيان» فإن «عادل إمام» بدأ رحلة الهبوط من سلّم تسلقه وما كان حقيقا به تسلقه او ارتقاؤه.
وبعد «عمارة يعقوبيان» شاهدت فيلم «حسن ومرقص» وكان لا يقل سوءا عن «عمارة يعقوبيان» لنأتي أخيرا الى فيلم «زهايمر» والذي بدا كقصة تحكى لأطفال من أجل وعظهم وإرشادهم.
الفيلم يحكي قصة أب ثري «عادل إمام» له ابنان طماعان لعوبان يديران وشريكتهما زوجة احد الابنين وشريكهما الآخر صديق الأب مؤامرة للاستيلاء على أموال الأب بإقامة الحجر عليه وكف يده عن التصرف بأمواله، وذلك بحجة اصابة الأب بمرض «الزهايمر» الذي يفقد المصاب به قدراته العقلية.
وتبدأ حبكة تلك المؤامرة والتي تبدو خرافية وساذجة، بأن يستأجر الابنان طاقما كاملا لخدمة الأب مكونا من طبيب وممرضة وخادمة وبستاني وماسح أحذية، ويخوّنان ـ أيضا ـ السائق الخاص بالأب ليكون في صفهما.
وتدور المشاهد الأولى للفيلم دون الافصاح عن خيوط المؤامرة، وتستمر احداث الفيلم التي يبدو فيها الأب مصابا بمرض «الزهايمر» وتشرف عليه ممرضة تعطيه الدواء الذي يرفض ان يتناوله متذرعا بأنه في غير حاجة اليه لأنه سليم معافى ولا يعاني من مرض، ولكن الممرضة المتآمرة تصر عليه لأخذ الدواء.
وهكذا تمضي أحداث الجزء الأول من الفيلم في أجواء توحي للمشاهـديـــن بـــــــــأن الأب ـ فعــلا ـ مصاب بـ «الزهايمر» حتى يتم كشف المؤامرة، بطريقة فجة وساذجة وبلهاء، وذلك حين يأتي «السباك» ـ عامل الأدوات الصحية ـ لإصلاح خلل في الحمام، وليكتشف بحسن نيته المؤامرة المدبرة للأب، حين يبدي ـ السباك ـ سروره بأن الأب جاء بأناس لخدمته في المنزل بعد ان كان يعيش فيه وحيدا!! ولما سأله الأب ومنذ متى كانت آخر زيارة له الى المنزل، قال السباك، منذ شهرين، ليكتشف الأب المؤامرة وان هذا الطاقم لم يكن ـ أساسا ـ موجودا في منزله منذ سنتين كما أوحى له ابناؤه وطاقم الخدمة وعلى رأسهم الممرضة.
فتفرد الأب بالممرضة لتكشف له السر وحقيقة المؤامرة، وان الأب كان يأخذ أدوية تؤدي الى اختلال عقلي، وليبدأ الأب بعدها رحلة الانتقام من ولديه وشركائهما بطريقة أقل ما يقال فيها، انها ساذجة بل وغبية ترفضها ذائقة المشاهد ولا يقبلها عقل ولا منطق.
سلسلة من العبط او البله المتكرر تمر على شكل أحداث للايقاع بالولدين، يقوم بها الأب لـ «تربية» الولدين اللذين لم يُحسن تربيتهما ـ كما قال ـ ما جعلهما طماعين لا يتورعان عن إلحاق الأذى بأبيهما بدافع الطمع والاستحواذ على المال وتخليص نفسيهما من ديون مستحقة عليهما لا يملكان تسديدها، الا من خلال الايقاع بالأب وسلبه أمواله.
«عادل إمام» مثله مثل «نادية الجندي»، فالاثنان تحكمهما وتتحكم فيهما عقدة نفسية، بحيث إنهما يريدان ان يريا نفسيهما بصورة الإنسان «السوبر» الذي يخضع له الجميع، «نادية الجندي» في عالم المرأة التي تستطيع ان تخضع الرجال من معارفها كلهم لخدمتها واللعب بهم وعليهم مستخدمة اسلحة الأنثى والتي وللحق لا تبخل باستخدامها، و«عادل إمام» في عالم الرجال، فهو القوي الذي يصرع عشرة رجال اشداء بقبضته، او الرجل الشديد الذكاء والدهاء والذي يسقط اعداءه الواحد تلو الآخر، وهو مرتاح ناعم البال.
هذه العقدة النفسية، جعلتهما (نادية وعادل) يلجآن الى الخيال، الى السينما لإطفاء سعير تلك العقدة وحتى يخففا عن نفسيهما آثارها المدمرة لهما في الحياة.
والمشاهد هو الذي يدفع ثمن تلك العقدة.
لم يشهد واقع السينما الضاحكة او الكوميدية، مثيلا لـ «عادل إمام» لا من حيث الموهبة الفنية، بل من حيث كون الممثل الكوميدي إنسانا خارقا وبطلا وثريا وشديد البأس.
نتذكر الرائع دائما نجيب الريحاني وكيف انه في مجمل أفلامه هو الرجل البائس الفقير الضعيف الطيب الحسن النية ومثله «اسماعيل يس» و«دريد لحام» أو «غوار الطوشة» تلك الشخصية الفذة التي ابتكرتها عقلية فنية تعرف ماذا يعني الفن، والفن الكوميدي بالذات.
أما «عادل إمام» فعلى العكس من ذلك يريد ان يكون هو البطل المهاب الجانب وهو المتحكم فيمن حوله، وهو «الزعيم» لذلك داوى هذه العقدة عنده بتقديم مسرحيته «الزعيم» والتي اراد ان يلتصق عنوانها باسمه، ليسمى هو بين زملائه بـ «الزعيم»!
لم يعد «عادل إمام» بحاجة الى الشهرة ولا الى المال، فلماذا لا يعتزل ويحتفظ ببعض من مجد كاذب سرقه في غفلة من الأزمنة البلهاء، فيريح نفسه ويريح جمهوره المتبخر؟
السكرتير
حلمت ذات ليلة بعيدة سوداء.. نجومها مطلية ببريق زائل.. وقمرها يبدو وحشا أسود فاغرا فاه.. بأنني ملك متوج بتاج ذهبي مرصع باللؤلؤ والزمرد والياقوت..
ولي قصور ذوات حدائق غناء مخضرة مزهرة..
والبساتين ذوات ثمار لم ترها عين قط.. ولم يذقها لسان من قبل..
ولي جوار مهفهفات مصقولات من كل جنس ولون..
وخدم.. وإماء.. وعبيد..
آمر.. فأطاع..
يسعى الجميع الى خدمتي..
بطرفة عين مني.. تلبى طلباتي.. وتنفذ أوامري قبل ان انطق بها..
ولما صحوت من تلك النومة.. وجدتني على ما أنا عليه.. لا قصور ولا تاج ولا حدائق ولا بساتين ولا جواري ولا عبيد ولا إماء..
فسعيت الى أحد مفسري الاحلام من الذين يملؤون الفضائيات، من أجل تفسير ذلك الحلم..
فقال لي: عد لي بعد يومين لأفسر لك حلمك..
فعدت له بعد يومين.. وأنا في شوق لمعرفة ما يعنيه ذلك الحلم..
فقابلني الرجل.. هاشا باشا مرحبا مهللا..
أجلسني في مكانه.. وجلس بقربي.. وقال لي وملء شدقيه ابتسامة تكشف عن أسنان صناعية بديلة عن تلك التي هشمها الزمن المر الذي مر على صاحبنا قبل ان يحترف تفسير الأحلام..
وقال لي: أبشر.. فلقد رزقك الله ما لم يكن لك على خاطر ولا على بال..
أبشر فإنك ستكون عضوا في مجلس الأمة..
وقبل أن أرد أو أجيب أو تبدو علي اي علامة من الرضا أو الرفض..
أضاف قائلا: ولكنّ لي.. يا سيادة النائب.. طلبا واحدا عندك..
قلت له: تفضل.. ما هو طلبك..؟
قال «أبيك تعينـي سكرتير عندك.. لو سمحت»..
[email protected]