- بـكت السمـاء نجـمتها المفقودة لكن سارقة النجمة لم تأبه بما حدث
- فرحتي بـ «استقالة رئيس عربي».. فرحة ظمآن متكسر لسانه عطشاً وجد نهراً فعبّ منه حتى الارتواء
- الكتابة عن كاتب مبدع مثل محاولة تزيين اللؤلؤ.. لذلك فالمهمة شبه مستحيلة.. عن جلال عامر.. أتحدث
- «سيد قشطة» كنت أظنه اسماً لحيوان مخيف حتى اكتشفت مؤخرا أنه اسم لرجل في «خبايا القاهرة»
|
الكاتب الصحفي جلال عامر |
سعت إلى نجمةٍ في سماء متلألئة لامعة النجمات..
رصدت تلك النجمة..
تربصت بها..
اختبأت وراء الشمس.. ومدت يدها وطالت تلك النجمة المرصودة..
وخلت تلك السماء من نجمتها المحبوبة الأثيرة
بكت السماء نجمتها المفقودة..
واختل عقد النجمات..
وتهاوت النجمات في أكفٍ يابسة..
ولكن سارقة النجمة.. لم تأبه بما حدث..
كل ما كان يهمها.. نوال النجمة.. وقد نالتها.. ومن بعد ذلك.. فليكن الطوفان.. ولتتهاوى النجمات.. ولتسقط في الأكف اليابسة..
لم تتخذ السارقة من النجمة المسروقة.. حلية تزيّن شعرها.. ولا قلادة في جيدها.. ولم تعلقها في ليلها الأسود.. سراجا ينير دربها المتعثر الكثير السقطات.. بل راحت تدنسها وتلعنها وتهوي عليها بفأس أصم.. بغية تفتيتها..
فيا سارقة النجمة.. لماذا سرقتها.. مادمت عاشقة للظلام والسقوط والتهاوي..؟ مادمت لست بحاجة إليها يا بنت الظلام؟!
الكتابة عن كاتب مبدع خلاق، هي مثل محاولة تزيين اللؤلؤ.
فاللؤلؤ له من الجمال، ما يجعل مهمة تزيينه مستحيلة أو شبه مستحيلة.
وكذلك الكتابة عن كاتب، وبالذات إذا كان هذا الكاتب، كاتبا ساخرا، بل ومميزا في سخريته.
محاولة تزيين اللؤلؤ
أكتب عن الكاتب المصري «جلال عامر» الذي لم تتعد معرفتي به – قراءة – العامين، حين بدأت أقرأ ما كان يكتبه في جريدة «المصري اليوم» فخطف بصري وشـــــدني إليه وأحكم وثاقي، فصرت أسيرا لكتابته، أسيرا فرحا بأسره، لم أحاول الانعتاق ولا الفــــكاك من أسره الجميل.
صنبور عصيّ
هو كاتب منهمر الجمل والتعابير الساخرة، لا يكف ولا يكتفي بجملة ساخرة واحدة يظن قارئها انها تفي بالغرض وتبعث على الضحك، بل إن الجملة عنده تولّد أخرى وتلك الجملة المولّدة تنبثق عنها جملة أخرى أكثر سخونة وسخرية، ومن تلك المنبثقة جملة تحمل في أحشائها جُملا أخريات ضاحكات ساخرات.
هو كصنبور الماء العصي الذي يصعب سده وإيقافه، حتى وإن أحكمت إغلاقه فإنه يبقى يرسل قطرات ساخنة لا تكف عن التسلل من بين محابسها.
استقالة رئيس عربي
كنت أقرأه مشتتا وبحسب ما نشره في صحيفته، حتى وجدت – مؤخرا – انه لمّ شتاته وجمع متفرقاته في كتاب واحد صادر هذا العام، وعنوانه «استقالة رئيس عربي»، وكانت فرحتي بالكتاب، فرحة ظمآن متكسر لسانه عطشا وجد نهرا زلالا صافيا، فعب منه حتى الارتواء وداوى عطشه وطمأن ظمأه.
هكذا كنت، أنا الظمآن الذي وجد نهرا، حين وجدت كتاب «جلال عامر» «استقالة رئيس عربي».
ويقدم لكتابه بمقدمة ساخرة أيضا يقول في أولها: «في بلادنا فقط، كل من يعلق نتيجة على الحائط يتحول إلى «مؤرخ» وكل من يعلق مروحة في السقف يتحول إلى «اخصائي» في طب المناطق الحارة، وكل من يمسك مسبحة يتحول الى «داعية».
وكلمة «نتيجة» الواردة أعلاه، يقصد بها «الروزنامة» كما نسميها نحن.
وعن التدين الشكلي يقول في مقدمته:
«وظهر التدين الشكلي الذي جعلنا نطيل اللحى على «الوجوه» ونطيل الأيدي على «البنوك» وجعل سائق «التاكسي» يشغّل القرآن، ولا يشغّل «العداد» وجعلنا نقذف من يبني «كباريه» بالنقوط ونقذف من يبني «كنيسة» بالحجارة!
الجمل العارية
و«جلال عامر» كما أرى لم يقلد أحدا من الكتّاب الساخرين، ولم يدس قلمه في محبرة أحد منهم، ولم يختلف يوما إلى مدرسة أي ممن سبقوه في هذا العالم السحري، عالم الكتابة الساخرة، فهو نسيج وحده، لم يأخذ ممن ياسره ولا ممن يامنه ولا من كان أمامه ولا ممن يقف وراءه، هو ساخر بطبعه، ليس متكلّفا ولا يؤنّق جملته ولا يزيّنها ولا يرشها بعطر، بل يتركها تخرج عارية على العيون كما هي لا كما ولدها هو أو ولدها قلمه، وربما هذه ميزته، وهذا تخصصه.
«يحب مصر من ورا مراته»
جملته عفوية تخرج من رحمها حمراء ساخنة وتحتفظ بحمرة سخونتها الى الابد، لا تبرد ولا تهدأ مهما تعاقبت عليها عيون الازمنة وقراؤها. ولعل ما يميزه - ايضا - هو احتفاظه بصفات الكاتب الساخر العفوي الذي يتهكم على نفسه ويسخر منها، ويحشرها في زمرة البسطاء والعامة والدهماء، ولا يدعي له منزلة وعلما ومعرفة ببواطن الامور، وصلات بالعظماء والكبراء وأهل السطوة والسلطة وذوي الياقات المنشاة والايدي الرخوة الناعمة، رغم انه في حقيقة الامر على غير تلك البساطة، فهو ضابط سابق في الجيش المصري ومحارب في ميادين القتال، ولكنه لم يستثمر دمه ولا مكانته الرفيعة في سلك الجيش، بل على العكس من ذلك، نجده راكبا «أتوبيس» او راجلا مع الراجلين ومجالسا للفقراء والمسحوقين واهل الحاجة، هكذا هو جعل نفسه في كتاباته.
وتلك ميزات السخرية او الضحك والتهكم، فالكبراء لا يهزأون بالكلام، بل يهزأون بأيديهم لا بألسنتهم، بينما البسطاء قليلو الحيلة الواهن زمنهم والغاربة شموسهم، هم الذين يعوضون ذلك الحرمان بالسخرية والتهكم.
لذلك ـ غالبا ـ ما يلجأ الكتاب الساخرون الى تهوين اوضاعهم الاجتماعية ورتبهم الانسانية، كي يعطوا انفسهم حق السخرية والضحك والاستهزاء بمعوجات الامور وعليها.
في ختام احد مقالاته المائة التي حواها ذلك الكتاب، نقرأ ما يلي:
«ثم سألني الطبيب: «هل والدك خاضع لمظلة التأمين الصحي حتى نعالجه، ام خاضع لقانون الضرائب العقارية حتى نرممه، ام خاضع لقانون الطوارئ حتى نحبسه»؟!
فرد عليه المحامي وقال: «هو خاضع لزوجته»، سأله الطبيب: «ازاي خاضع لزوجته وبيحب مصر»، فقلنا له: «أصله بيحب مصر من وراها وبيقابلها في طوابير العيش».
السيد «سيد قشطة»
كنت اظن مع الظانين، أن «سيد قشطة» هو اسم لحيوان مخيف، اسمه المتداول والمعروف هو «فرس النهر»، حتى اكتشفت مؤخرا، ان «سيد قشطة» هو اسم لرجل!!
القصة يرويها «احمد محفوظ» في كتابه «خبايا القاهرة» والذي خصصه للحديث عن قاع المدينة، او عما يجري في شوارعها وانماط الحياة فيها واخبارها التي لا تجري بها الانباء والاخبار ولا تبرزها اجهزة الاعلام والنشر، اي الوجه الآخر، غير السياسي، واماكن اللهو، والحوادث والاخبار المتداولة، وقد آتي على الكتاب تفصيلا ذات «قيلولة»، ولكن لأعد الآن الى رأس الحديث، والى «سيد قشطة» الرجل والانسان، لا «سيد قشطة» الحيوان ذي الشكل المخيف.
يقول «احمد محفوظ»: كان هناك رجل يقدم المنولوجات الساخرة والاغاني الخفيفة والمضحكة، في احد مرابع الليل واللهو في ليل القاهرة القديمة، اواخر القرن التاسع عشر او بدايات القرن العشرين، كان هذا الرجل دميما وبشعا وقبيح الصورة وسيئا في صوته وغنائه، وكان اسم هذا الرجل «سيد قشطة»، ولما عرف الناس حيوان «فرس النهر» في حديقة الحيوان، اطلقوا عليه اسم «سيد قشطة» لانه يشبه «سيد قشطة» المنولوجست شبها يكاد يكون متطابقا، وهكذا غلبت تسميته «سيد قشطة» التي اطلقت على هذا الحيوان، على اسمه الحقيقي «فرس النهر». وهذا ما خلد «سيد قشطة» الفنان المجهول والمكروه والذي لولا قبحه لاندثر اسمه.
[email protected]