صالح الشايجي
تلجأ الانظمة الشمولية القمعية والتي تستولي على السلطة بطريقة ما، سواء بانقلاب عسكري، او بتحريض الجماهير ضد النظام القائم المستقر، تلجأ هذه الانظمة الى حل العقد الاجتماعي والسياسي القائم، من خلال القضاء المبرم على العقول المفكرة والشخصيات المثقفة وذوي الانتاجية في مجالاتهم المهنية والعلمية والعملية والفكرية، لانها تدرك تمام الادراك ان الوضع لن يستتب لها ولن تهنأ بوجود مثل تلك الشخصيات في موقع اتخاذ القرار وفي سدة المسؤولية والتأثير في الجماهير، فتتخلص منهم اما بالاعتقال والمحاكمات الصورية او بالاغتيال او بالنفي.
شاهدنا ذلك وشهدناه في الانقلاب الدموي العراقي 1958، الذي قضى على العقول العراقية المفكرة والمحنكة في عالم السياسة والاقتصاد، وعلماء الفكر واهل الثقافة والادباء والشعراء، وكانت محكمة المهداوي مسرحا هزليا تراجيديا تم فيه عرض تلك المسرحيات المؤلمة في وقائعها، والمضحكة برئيسها «المهداوي»!
وقبل ذلك - وعلى اخف شوية - حدث في انقلاب «عبدالناصر» في مصر 1952، فرغم ان ذلك الانقلاب كان سلميا ولم ترق فيه نقطة دم واحدة، فانه استن السنة ذاتها واقصى من اقصى من اصحاب الخبرة والعقول الكفؤة وحل البرلمان وسرّح الاحزاب واحتكر الصحافة، واعلن نفسه الحاكم الوحيد والمفكر الوحيد والعقل الوحيد في البلاد.
ولسنا فقط في صدد استعراض التاريخ ونبش صفحات الماضي «من غير مناسبة» بل ان المناسبة هي فيما نسمعه ونراه الان في «ايران» وكيف اضحت واضحى الوضع فيها، وكيف غابت العقول الايرانية المفكرة وكيف توارى المثقفون وغُيّبوا وتم اقصاء المحترفين السياسيين الحقوقيين بالقتل او بالنفي، ليحل محلهم «جهابذة» الفكر الجديد الذي لا يملك مقومات البناء الفكري الحقيقي المتراكم نتيجة الخبرات والتجارب والعلم، انه فكر شارعي يعتمد الغرائز العاطفية والفوضوية، ويستند في استمراريته على التلقي الجماهيري غير العقلاني، وغير المنضبط والمتفلت والذي لا يدرك القيم الحقيقية للعمل السياسي والبناء الوطني من خلال تفعيل البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، ولا يلجأ الى اعتماد الخطاب الغوغائي اللفظي الذي لا طائل البتة من ورائه سوى هدم الدول وتحطيم الحضارات، وهذا ما يحدث الآن في ايران.