صالح الشايجي
حينما غنت «أم كلثوم» عام 1959 «حب إيه اللي انت جاي تقول عليه»، اعتبر «الكلثوميون التقليديـــون» الذيــن تعــودوا عــلى «الست» بـ «الشوقيات» و«قصة الأمس» و«يا ظالمني» و«جددت حبك ليه» وبقية ملاحمها الغنائية، اعتبروا ان «الست» تدحرجت الى عالم «المنلوج» وهو الغناء الخفيف او الساخر، ومن أبطاله - آنذاك - اسماعيل ياسين وشكوكو وثريا حلمي، وثارت ثائرتهم وكادوا يرفعون شعار «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى»!
اما المسيّسون منهم وأصحاب الشعارات السياسية والمصطفّون في مواكب الزعامات، فقد كادوا يعتبرون ذلك الامر، مؤامرة «صهيونية امبريالية رجعية» دبرتها القوى الاستعمارية بالتحالف مع «القوى الرجعية العربية»!
كل ذلك لأن «الست» غنت اغنية خارج المألوف الذي حصروها هم فيه او حصرت هي نفسها فيه، من تقليدية الغناء الثقيل والذي يحمل كمّا من الطرب الذي تهتز له الرؤوس وتنتشي به النفوس! بل إن البعض بالغ واعتبر ذلك «زندقة»، لان «الست» سمحت للـ «واد» بليغ حمدي بأن يلحن لها، وهو الولد او الشاب الذي لم يبلغ «الحلم الغنائي» بعد، ولم يشتد عوده او يستدّ ساعده، فكيف يصوّب أنغامه الى مسامعهم، وهم المتعودون على «السنباطي» و«القصبجي» والشيخ «زكريا» والشيخ «أبوالعلا»!
ولكن قافلة «أم كلثوم» سارت واستطاعت ان تكسب جمهورا «شبابيا» جديدا، وعاد التقليديون الى صفوفها، بل راحوا يصفقون للـ «واد» الذي كادوا يئدونه بالامس القريب تحت تراب «الخيانة» و«العمالة»! فجاءت «سيرة الحب» و«فات الميعاد» و«بعيد عنك» وغيرها من الابداعات «البليغية» والتي وازنت بين طربية أم كلثوم التقليدية، وتجديد شبابها بالأزياء النغمية الحديثة!
ماتت «أم كلثوم» وهي عملاقة لم تفقد جماهيرها التقليديين والتاريخيين، وايضا مات «بليغ» وهو على سدة الرئاسة الموسيقية، كواحد من ملوك اللحن العربي!